للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الحقيقة والخيال:]

صديق.!

للأستاذ محمد محمد الأبشيهي

خلوت إلى نفسي أسائلها: (أين هو الصديق الذي يسكن إليه قلبي، وتهدأ خياله بنفسي، فيصفيني وده، ويمنعني مما يمنع منه نفسه؟ فقد بلوت من خير الناس وشرهم، ما يوشك أن يزهدني في عشرتهم، ويجنح بي إلى العزلة عن هذا المجتمع الصاخب، وحاولت أن اصطفي من الأصحاب من يفرج أمري، ويكشف لي وجه الصواب في هذه المشكلة العاصية، فإذا يداي تصفران، وإذا أنا اخلد إلى الراحة في ظلال اليأس، وإلى الهدوء على بساط الشوك. . وساءلت نفسي. . . ربما كانت النفسية الجامحة والمادية اللاهية، هما أس العناء، وأصل البلاء، حين ينظر الصديق من زاويتا إلى الصديق، فكلما تحدر إليه خيره هش له وبش، ولقيه باسم الثغر، مشرق المحيا، فهو صديق العمر، وشقيق الروح، وإلا أنكره، فغاضت الابتسامة، وفتر اللقاء وتقطع بينهما، وحال الأمر إلى عداوة، وأشباه هذا هم الكثرة الكاثرة فيمن يلاقونني، حتى الذين ينالهم رفدي، لا أحس لما يبدونه نحوي بحرارة، ولا لما ينسجونه حولي بصدق، وانظر يوما فإذا بي انشد:

إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثير ولكن لا أرى أحدا

أتناول بيدي مصباح (ديوجين) أفتش به في ثنايا الزمن، عن بغيتي من الحياة، لكن. . هيهات!. . . ولبثت كذلك حينا من الدهر، يمر بي في طوافي أشتات من الناس تباينت طباعهم، وتلونت مذاهبهم، لا يحسون بي ولا أحس بهم، لبعد ما بيني وبينهم، فما جامعة تجمعنا، في الرأي والفكر والذوق، أراهم من غير جنس وإن كانوا بشرا، وألمح على معارفهم لؤم الطباع في ثنايا الإشراق، سعار الطمع في مخابل الرضى، فلويت عنقي، وأشحت بطرفي، وطويت عنهم كشحا، وفزت من الغنيمة بالإياب، بعد رحلة لاغبة، وجهاد واصب، و. . وشعرت بيد تربت على كتفي، وأنفاس حانية، ترف على قلبي، فأحسست برد الراحة يسري في أوصالي، وتمثلت النعيم يغمر جوانحي. قال - وقد مثل حيالي قائما - أنا إذا ضالتك المنشودة. وأملك المفقود، ولعلك أن تجد العوض في شخصي عن أحلامك الذاهبة. فأفثأ حاجتك، وانكأ جرحك، فتنأى بنفسك عن مواطن اليأس، وتعلم أنه ما زال في

<<  <  ج:
ص:  >  >>