للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدنيا صديق، وترتاح له، وتبلو من سجاياه ما تقر به عينك، ويثلج به صدرك ستقودني إلى حيث تريد، وستلقاني مطواعا ذلولا، لا أبعثك على غضب، واشرف بك على بأس. . فصدقته حين لمحت في حديثه دلائل الصدق، وشمت من لهجته علائم الجد، وأنست به وسكنت إليه، وجلت به في ميادين الحياة جولات موفقة، وعشت به زمنا ليس بالكثير، حدثت نفسي في خلاله أن اعفي كل اثر لحكمي السابق على الصديق ما دام في الناس أمثال هذا الذي فني في شخصي، وكان لي أطوع من بناني، والزم من ظلي، إذا فلقد تجنيت على الإنسانية، أجرمت في حق الإخاء، فهذا صديقي يهفو إلى الخير لوجه الخير، ويطرب بالوفاء لأجل الوفاء، وإذا فلتهدا بلابلي، ولتمضي الحياة قدما في كنف الصداقة الصادقة، وظل العيش الرغيد!. . . ورأيته يوما - على غير عادة - عابس الوجه، ترمي عيناه بالشرر، ومنتفخ الأوداج، يكاد يتميز من الغيظ، فابتدرته: (ما بالك). فأجاب - في غير تحفظ ولا استحياء - لقد خاب أملي فيك، وصوح عود الصلة بيني وبينك، فما أنا بالذي يستمسك بك، وقد نهشت عرضي، وجحدت فضلي، أذعت في الناس بأحاديث السوء عن خدنك الذي غره فيك حسن السمت، واصطناع الوقار، فقاطعته قائلا: (على رسلك يا صديقي، فلعلها أن تكون سعيا حاسد، أو زراية جاهل. وما حسن أن تجبهني بالثورة، وتطلع علي بالعنف، قبل أن تتبين) فأصم أذنيه، وولى مدبرا ولم يعقب وحمدت لنفسي أنني لم أتزحزح قيد أنملة عما رسب في أغوار نفسي عن الصداقة والأصدقاء. وإذا فالمشكلة مازالت قائمة، ولا أبرح أتلمس الصديق الصدوق. بين الحقيقة والخيال، فباليت شعري من يدلني عليه، فينقذني من ألم مرمض، وآسى لا يريم، إن بين اليأس والأمل صراعا، وفي النفس من هذا المجتمع المريض لوعة وحيرة

محمد محمد الابشيهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>