للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ملك وشاعر]

حل أصدق المواعيد في يومين متعاقبين بالملك جورج الخامس، وبالشاعر رديارد كبلنج، فأرفضّ لخطبهما الصبر الإنجليزي الذي يتماسك بطبعه على مض النوازل، وتجاوبت بأصداء الأسى الوقور أقطار المُلك البريطاني الشامل، وشعر القلب الإمبراطوري برجفة صماء لموت الملك، وأحس اللسان الاستعماري بعقدة بكماء لموت الشاعر؛ ذلك أن صاحب الجلالة كان يمثل شعبه في نبله وديمقراطيته، وصاحب العبقرية كان يمثله في طموحه ووطنيته؛ فأولهما كان رمز السمو الخلقي في طبع السياسة، وثانيهما كان لحن الغرور القومي في معنى الأدب!

كان الملك جورج معنى جديداً من معاني الملكية الجديدة؛ وفق بين غطرفة الملك وتواضع الديمقراطية، وألف بين قيود الحكم ونوازع الحرية، وصالح بين حفاظ التقاليد وطبيعة التطور، ولاءم بين إرادة العاهل وسلطة الدستور، وواءم بين سياسة الدولة ورغبة الأمة، واستبدل بالسلطة الزمنية التي أماتها فيه الزمان، وورثها عنه البرلمان، سلطة روحية أحلته من شعبه محل القداسة، ورفعته في أفقه مكان العلم، وجعلته في حكمه سلام الحزبية إذا احتدمت، وقرار السياسة إذا اضطربت، وصلة الإمبراطورية إذا تقاطعت، ومواساة المرضى من برح الألم، وتعزية البؤس من مس الحاجة؛ ثم تكرم عن أثرة الملوك وتميز السادة، فكان في الحرب يأكل ما يأكل الناس، وفي الأزمة ينفق ما ينفق الأوساط، وفي المحنة يكابد ما يكابد الشعب، وفي الرخاء يكاد الإحسان العام لا يترك في يديه من مخصصاته النصف مليون إلا قرابة الألفين

كانت ملكية الملك جورج كما رأيت لفظاً معناه الحب والخير والواجب؛ ومن هنا وجدت الأحزاب على اختلافها مضامينها فيه؛ فهي تثور فيما بينها وتسكن إليه، وتختلف في رأيها وتتفق عليه، وتفترق في طرقها وتلتقي عنده، حتى قال زعيم من زعماء الأحرار هو مستر اسكويث: (إن العرش لَتَهَاوى حولنا، لأن بعضها قائم على أساس من الظلم، وبعضها مرفوع على غثاء من التقاليد، ولكن عرش هذه البلاد محمول على مشيئة الشعب البريطاني، فهو مستقر لا يتزعزع، راسخ لا يميد)، وحتى قال زعيم من زعماء العمال هو مستر استافورد: (إن الملكية الدستورية ستظل طويلاً في هذه الأمة خير أداة لاختيار رأس الدولة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>