استأذن حضرة الدكتور جواد علي أن أعلق شيئاً على مقاله القيم في عدد ١٥ سبتمبر من الرسالة تعليقاً يضيف حججاً إلى الحجج التاريخية ضد ميراث اليهود من فلسطين.
ذكر حضرة الدكتور (أن أسفار التوراة الخمسة الأولى المنسوبة لموسى نزلت على موسى إذ لم يكن موسى قد دخل فلسطين أي أنها نزلت خارج الأرض المقدسة). طبعاً لان موسى لم يدخل الأرض المقدسة أرض الميعاد مع شعبه الإسرائيليين الخارجين من أرض مصر. بل مات وهو يشرف على تلك الأرض التي تدر لبناً وعسلا ولم يدخلها مع شعبه لأن الله أبى عليه دخولها لذنب أتاه.
والحقيقة أن موسى لم يكتب حرفاً واحداً من هذه الأسفار الخمسة وإن كانت تنسب إليه. بل كتبت بعد رجوع بني إسرائيل من سبي السبعين سنة في بابل. فقد سباهم نبوخذ ناصر سبياً جارفاً سنة ٥٨٦ قبل المسيح. فبقوا في بابل سبعين سنة واطلع حكماؤهم الأسلاف والخلفاء منهم على أساطير أشور وبابل وشرائع البابليين والآشوريين ولا سيما شريعة حمورابي العربي الذي فتح ما بين النهرين وحكمه هو وخلفاؤه نحو قرن من الزمن.
ولما فتح كورش الفارسي ما بين النهرين أطلق سراح اليهود فعادوا إلى البلاد التي سُبوا منها وشرع حكماؤهم (حاخاماتهم) يكتبون تاريخ قومهم وأساطيرهم وشرائعهم ممتزجة بأساطير بابل وأشور بل ممسوخة منها. وإذا قارنت الشريعتين الحمورابية والإسرائيلية كما هي في سفر تثنية الاشتراع لا تجد إلا فرقاً قليلا بينهما.
وكان موسى قد خرج بشعبه من أرض مصر سنة ١٢٥٠ قبل المسيح فبين الخروج من مصر والعودة من سبي بابل نحو ٧٣٤ سنة. وفي هذه الأثناء لم يكتب حرف واحد من التوراة لأن الكتابة الهجائية لم يكن الفينيقيون قد استنبطوها بعد أو أنها لم تكن قد شاعت في اللغات السامية أو الآرامية بل كانت الكتابة السامية مقصورة على رسوم الأشياء المراد التعبير عنها كرسم رجل للرجل والعين للعين. وهذه الكتابة مقتصرة على النقش في الألواح الحجرية أو الآجر المشوى وهذه لا تحتمل كتابات التواريخ والشرائع المطولة.