للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعر ناجي]

للأستاذ دريني خشبة

لا يلبث الإنسان حين يقرأ شعر ناجى أن يستمع إلى نبضات قلب كبير، ولا يلبث حين يفتح ديوانه أن يرى حوله جنات معروشات كلهن ألوان وكلهن صور وكلهن حياة، وفيهن جمال وفيهن حب دعة؛ وبين أولئك جميعاً قلب ناجي الفنان ينبض ويلون ويبتسم، وينبت في فردوسه الأعاجيب

وقلب ناجي هو باب شعره العذب، بل هو معينه الذي لا ينضب. . . وقليل من الشعراء من يودعون شعرهم قلوبهم، وقليل منهم من تحس أن لهم قلوباً تقول هذا الشعر المنمق الذي ينظمون أو تدين به. . . لأنهم ينظمون الشعر صنعة ولا يهزجون به طبيعة، والشعر إن لم يكن في الدم فلن يكون في الألسن إلا كما يكون الصفير في فم الببغاء

وقلب ناجي قلب وادع تبغ في الحب، وفاض بالرحمة، ومسه الألم، وانطبعت في صفحته الحياة بصورها المختلفة. فالحب والرحمة والألم تفيض صوراً حية في شعر ناجي، والعجيب أنه أكثر شعرائنا ترديداً لقلبه في شعره، حتى ليوشك أن يذكره في كل قصائده، ولعله لا يعلم ذلك، بل لعله لم يعرفه إلا الآن، لأنه لا يتعمد شيئاً في شعره، إذ كل هذا الشعر أو أكثره غناء ردده ذلك القلب، وهتف به ذاك اللسان، ودونه هذا القلم. وأعجب من ذلك كله أن الصداقة بين ناجي وبين قلبه قد أنتجت لنا تلك الصور الخالدة في وصف هذا القلب الوادع. فحب ناجي:

يشهد الليل عليه والنهارْ ... والشهيد المتواري في الضلوعْ

وناجي:

يشرب من روعة السماء ... شعراً ويسقى الفؤاد وحياً

ويقول مناجياً:

وحرقت قلبي من سنا ... ك على جمال يضطرمْ

كفراشة حامت علي ... ك وأي قلب لم يُحمْ!

ويذكر قلبه وهو يصف مغرب الشمس عند شاطئ البحر فيقول:

نقول: هل الشمس قد خضِّبته ... وخلت به دمها المهْرَقا

<<  <  ج:
ص:  >  >>