والترجيح والتسجيل؛ أما تلك فتظهر فيها قدرته الابتكارية وعبقريته الحقيقية)
وضع الأستاذ (أبو خلدون) دراساته على أصول الطريقة التي ذكر أسسها في شرح نظراته في آراء ابن خلدون ونظرياته. فنبه، مثلاً، إلى أن صاحب المقدمة استعمل كلمة العصبية (لغير معناها في المعاجم والاستعمالات الحالية)؛ واستعمل كلمة العرب (بمعنى البدو الأعراب)، فأدى ذلك إلى (أخطاء عظيمة) في فهم مقاصده، وأظهره (بمظهر التحامل على العرب، وحمل بعض الشعوبيين على الاستشهاد به، كما دفع بعض القوميين إلى الهجوم عليه)
وكشف الأستاذ المفضال خطأ الذين (ظنوا أن ابن خلدون يعزو أهمية كبيرة إلى البيئة الجغرافية، كما زعموا أنه يعتبر الدين أهم عوامل الاجتماع)؛ وأيد بالبحث والموازنة أن ابن خلدون أحق من الغربيين (باسم مؤسس فلسفة التاريخ أو علم التاريخ) و (بلقب مؤسس علم الاجتماع)؛ وأظهر مكانة هذا العالم العربي في نظر علماء الغرب
جمع المؤلف التحرير أشتات كل رأي لابن خلدون من أبواب المقدمة وفصولها بعد أن نظر في الفصول المنسية في الطبعات المصرية والبيروتية للمقدمة، وهي موجودة في الترجمتين التركية والفرنسية المطبوعة في باريس؛ وقابل هذه الآراء والمبتكر منها بما سبقها وبما جاء بعدها من آراء تتعلق بفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، وعين ابتكارات ابن خلدون وبين (كنه نظريته في العصبية، وآراءه الأساسية في الحياة الاجتماعية البدوية والحضرية)؛ فجاءت نظرته في المقدمة نظرة ناقد مثقف بصير
ألا إن فضل ساطع بك الحصري هو، على الخصوص، في الطريقة العلمية التي اتبعها في دراساته، وفي اتجاهه وأسلوبه الفني في الإحياء الثقافي، وفي قدرته على القيام بهذا العمل الدقيق النافع الذي توخاه، وصنيعه النفيس دليل على تقديره وإجلاله لتراثنا العربي العظيم، وعلى تحقيقه النظر فيه واجتهاده في تفهيمنا إياه ونحن في حاجة ماسة، ليست تنتهي في زمن قريب المدى، إلى مثل هذا النوع من الكتابة والتأليف. وذلك وجه من أوجه الإحياء الذي يدعو إليه (الوعي القومي) لإيقاظنا من سباتنا العميق.