للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشجاعة الأدبية]

للأستاذ عباس محمود العقاد

كتبت مقالي السابق بالرسالة أحي ذلك الروح الإنساني الكبير الذي رحل عن الدنيا برحيل رومان رولان

وقد كان للأدباء على ذلك المقال تعقيب يشبه الإجماع، ويتفق كله على تحية ذلك الكاتب العظيم. إلا رسالة واحدة ينزع صاحبها منزعاً، يخالف ما سمعت، وما تلقيت من الآراء في رومان رولان، وفيما كتبت عنه. وخلاصتها أن الأوربيين في حاجة إلى أمثال رومان رولان لقدرتهم على العدوان وإيغالهم فيه، ولكننا نحن الشرقيين أحوج ما نكون إلى التربية الحربية التي نعالج بها الضعيف المقيم، ونحمي بها لحوزة المهددة، وإننا ينبغي أن نتعلم كل ما يحرصنا على منازلة الأعداء ومقاومة المعتدين، ونترك تلك الرسالة التي يبشر بها رومان رولان وأمثاله، حتى يحين موعد الحاجة إليها بيننا نحن الشرقيين

رأى فيه شبهة من الصواب، ولكنها شبهة من الصواب وليست بالصواب في اللباب

لأن الأديب المعترض قد التبس عليه الآمر بين المذهب رومان رولان، ومذهب أولئك القعديين الذين عرفوا في أوربا باسم (الضميريين) من قولهم (إن ضميري يأبى على حمل السلاح ولو دفاعاً عن الأوطان)

فليس رومان رولان من هؤلاء ولا هو ممن ينكرون الحرب حين يفرضها الحق الواجب على المدافعين، ولكنه ينكر البغضاء في سبيل الزهو والطمع، ويرى أن السلاح الآخر ما يعمد إليه الإنسان لعلاج أزمات السياسة، بعد أن تنفذ وسائل الحسنى وحيل السلام

وما دام في الدنيا حرب بغى فالحرب الشريفة مفروضة على الناس لجزاء ذلك البغي ومنعه أن يبلغ مقصده من الغلبة على الآمنين والمودعين. فمن ينكر حرب الإغارة والسطوة لا ينكر حرب المقاومة والدفاع

والفرق عظيم بين من يقول يمنع الحروب وتغليب وسائل السلام، وبين من يرى الحرب الباغية وينكص عن دفعها، لأنه لا يميز بين الاعتداء ورد الاعتداء

بل الفرق عظيم بين أولئك (الضميريين) وبين من يحاربون العنف بالحسنى، لعلهم يخجلون صاحبه، وينهمون فيه تبكيت الضمير، ومن هؤلاء غاندي وتولستوي وطائفة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>