نشر أن لجنة ألفت لإحياء ذكرى عبد الحميد الديب، فقررت جمع ما قيل في حفلة تأبينه وطبعه في كتاب، وطبع ديوانه، وإقامة حفلة للاحتفاء بذكراه. ونشرت بعض الصحف أخيراً كلمات حث فيها اصحابها على الأهتمام بهذه الذكرى. وفي كل ذلك، وفي كل مناسبة يذكر فيها عبد الحميد الديب، يصفه القائلون والكاتبون بالشاعر البائس، وينحون باللائمة على مصر لإهمالها إياه، وذهب بعضهم إلى أنه أهمل حياً وميتاً، وهم لذلك يمون هذه الأمة بالقسوة والجحود لعدم عرفانها أقدار النابغين من أبنائها!.
قيل كل ذلك، وقيل مثله في حفلة التأبين الماضية، وسيدور حوله المحتفون بالذكرى في الحفلة المزمعة. . . فهل كان عبد الحميد الديب بائساً حقاً؟ أو بتعبير آخر: هل ظلمه المجتمع وحرمه نعمة العيش الرخي؟
إنما يأتي البؤس والحرمان من التعفف مع عدم القدرة على الارتزاق، وقد كان الديب على عكس من يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. . . . إذ كان من العفاة السائلين، وكان ذا حيلة في هذا المضمار تدر عليه الكثير من العطاء، وكان يعاونه على ذلك اصدقاء، منهم من هو معجب بشعره، ومنهم من يتفكه بتصرفاته ومفارقته، وكان بعض هؤلاء لا يبخلون عليه بما يملكون.
وكثيراً ما هيئت له اسباب العمل، فقد وظف عدة مرات في التدريس بمجالس المديريات، وطالما دعى إلى التحرير بالصحف والمجلات؛ فكان يبدأ العمل وينقطع عنه بعد قليل، وفي بعض الأحيان كان يحتال لأخذ المرتب مقدماً، ثم يذهب ولا يعود!
وكان له زملاء في أول العهد قاسموه التسكع في الحي الحسيني، وكانوا يسمونه (الحي اللاتيني)، ولكنهم أخذوا بأسباب العمل، ومنهم الآن صحفيون ناجحون ذوو دخل كبير. ومما يروي من نوادرهم معه في عهد البؤس أن أحدهم - وهو الآن صحفي معروف يكسب حوالي مائة جنيه في الشهر - نازع الديب عدداً قديماً من جريدة الأهرام، إذ أراد كل منهما أن يهيئ به فراشاً على (الرصيف) في حرم المسجد الحسيني، فاقتسماه، ولكن