وزادت أوامر إرليش وكبر مقدارها، وتزايدت السجائر الحامية التي عكف على تدخينها يوماً فيوماً. وما لبث أن دخلت طوائف كبيرة من الأرانب الذكور بيت جورج اسباير كأنها ألوية الجيش تتابعاً وكثرة، ودخل في زمرتها إلى هذا البيت رجل صغير قصير ياباني صياد مكروب لا يألو في بحثه جهداً. وكان اسمه هاتا. وكان قديراً وكان دقيقاً. وكان له جَلد واسع وصبر على التجريب طويل، فهو يحتمل التجربة الواحدة يعيدها عشر مرات ولا يكلّ. وكان خفيف الحركة جمّ النشاط متزنه، فهو يقوم بعشر تجارب في آن واحد. فوافق هوى إرليش، وهو كما تعلم دقيق يحب كل دقيق
فبدأ هاتا يجرب مركب رقم ٦٠٦، لا على مكروب الزهري نفسه. بل على مكروب من نوعه ولكن أقل منه امتقاعاً في اللون وشرة في الأثر، ذلك اسبيروشيتة الدجاج وكانت تقتل الدجاج قتلاً. فماذا كانت نتيجة هذه التجارب العديدة الطويلة؟ صاح إرليش:(باهرة!. . . خارقة!. . . لا تكاد تصدق!) فهذه الدجاجات الكبيرة والأفراخ الصغيرة امتلأت دماؤها بهذا المكروب امتلاء، فما هي إلا أن حقنت برقم ٦٠٦ وأصبح عليها الصباح حتى كانت تسير مرفوعة الرأس تقوّق وتتخطر ناعمة بالصحة والحياة. فهذه نتيجة لاشك مجيدة. ولكن ما الذي كان من أمر نسيبه المكروب الآخر مكروب الداء الإنساني الذميم؟
في اليوم الحادي والثلاثين من أغسطس عام ١٩٠٩ وقف إرليش وهاتا أمام قفص به أرنب ذكر جميل سليم من أية وجهة نظرته، إلا صفنه، فقد كان شوهه قرحتان فظيعتان كلتاهما أكبر من ربع الريال سببهما دبيب هذا المكروب اللعين الذي يأتي الإنسان جزاء الخطيئة الكبرى.
وكان هاتا وضع هذا المكروب تحت جلد هذا الأرنب من شهر مضى. ووضع هاتا قطرة صغيرة من ماء هاتين القرحتين الكريهتين تحت مكرسكوب صنع خصيصاً لرؤية أمثال هذه المكروبات الخبيثة الرفيعة الشاحبة. وضعها ونظر فرأى في ظلام المجال لهذا المكرسكوب الخاص، رأى تلك المكروبات ألوفاً تتلألأ في شعاع نور قوي سلط من الجانب