ما عرفنا علماء الأزهر إلا ملوكا، لا أمر فوق أمرهم، ولا كلمة بعد كلمتهم، إذا قال واحدهم لبت الأمة، وإذا دعا هب الشعب، وإذا أنكر على الحكومة منكرا أزالت الحكومة المنكر، وإذا أمرها بمعروف أطاعت بالمعروف، فكانوا هم السادة وهم القادة، وهم أولو الأمر: هذى حكومة مصطفى فهمي باشا تستجيب سنة ١٨٩٩ لرغبة الإنكليز في أضعاف القضاء الشرعي، فتضع مشروعها المشهور؛ لتعديل اللائحة الشرعية وضم اثنين من أعضاء الاستئناف الأهلي إلى المحكمة الشرعية العليا، ويبلغ من ثقتها بقوتها، وتأييد مجلس الشورى لها أن لا تبالي باحتجاج الحكومة العثمانية على المشروع، وتعرضه على المجلس. (وكان من أعضائه الشيخ حسونة النواوي، الذي جمعت له مشيخة الأزهر وفتوى الديار المصرية) فيقول كلمة موجزة في إنكار المشروع، وينسحب من المجلس ويتبعه القاضي التركي، فتكون هذه الكلمة كافية لقتل المشروع، فيردده المجلس كله، وتحاول الحكومة إنقاذه على رغمه فلا تجد عضوا استئنافيا واحدا يقبل الانضمام إلى المحكمة العليا، (عرضت ذلك على الشيخ محمد عبده وكان من أعضاء الاستئناف الأهلي وسعد زغلول وأحمد عفيفي ويوسف شوقي ويحيى إبراهيم. فأبوا جميعا) وتمشي كلمة الشيخ في الناس مشي النار في يابس الحطب، فهب الأمة كلها تؤيده حتى ترضى الحكومة بالهزيمة وتسترد مشروعها.
ولم يكونوا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يخافون غضبة ملك جبار: هذا حسين باشا الجزائرلي، يصل مصر فيفر منه أمراؤها إلى الوجه القبلي، فيأخذ أموالهم كلها ولا يرضيه في عتوه وجبروته أن يستولي على عروضهم حتى يسطوا على أعراضهم، فيقبض على نسائهم وأولادهم، ويسوقهم إلى السوق ليبيعهم زاعما إنهم أرقاء لبيت المال، وكانت الأحكام عرفية، وسيوف الظلم مصلتة، ولواء البغي مرفوعا، ولكن ذلك لم يمنع علماء الأزهر من إنكار هذا المنكر، ولم يرهبوا بطش الباشا وهم يروون أن أفضل الشهداء رجل قال كلمة حق عند إمام جائر فقتله بها، فمضوا إليه وتكلم الشيخ محمد أبو الأنوار فقال له: (أنت