للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أتيت إلى هذه البلدة وأرسلك السلطان لإقامة العدل ورفع الظلم كما تقول، أو لبيع الأحرار وأمهات الأولاد وهتك الحريم؟) فقال (هؤلاء أرقاء لبيت المال) قال: (هذا لا يجوز ولم يقل به أحد) فغضب أشد الغضب وطلب كاتب ديوانه، وقال: (أكتب أسماء هؤلاء وأخبر السلطان بمعارضتهم لأوامره) فقال له الشيخ محمد البنوفري: (أكتب ما تريد بل نحن نكتب أسماءنا بخطنا)، وكانت النصرة لهم عليه، فأحقوا الحق وأبطلوا الباطل، ووضع الله في قلبه هيبتهم، لأن من خاف الله خافه كل شئ. فكانوا بذلك (أجل من الملوك جلالة) وكانت إشارتهم للحكام أمرا، وطاعتهم عليهم فرضا، حدث الشيخ محمد سليمان إن أباه قدم لطلب العلم في الأزهر، أواخر أيام الشيخ إبراهيم البيجوري، فشكا إليه ظلم تلك الأيام، وما كان فيها من السخرة والعونة فكتب له ورقة بمساحة إصبعين هذا النص ما كان فيها: (ولدنا مدير الدقهلية. رافعة من طلبة العلم يجب إكرامه. خادم العلم والفقراء. الخاتم (إبراهيم البيجوري)) فدفعها إلى المدير، فقبلها ووضعها على رأسه، ودفعت عنه هذه الورقة كل مظلمة، وأنالته كل مكرمة، ورفعت قدره عند المدير وعند الناس.

وكان الشيخ الأزهري موقرا في الجامع وفي البيت وفي السوق، مبجلا عند الطلبة والعامة والحكام، وكان أقصى أمل الطالب أن يخدم الشيخ وأن يحمل له نعله، وإذا سبه عد سبه إكراما، وتحمله مسرورا، ورآه من أسباب الفتوح.

وكان الطالب الأزهري المجاور، يذهب إلى بلدة في العيد أو في الإجازة، فيقبل البلد كله عليه يقبل يده، ويتبرك به، ويشم فيه عبق الأزهر، ويكون المرجع لأهله في الجليل من شؤونهم والحقير، ويكون فقيهم والحاكم بينهم، لا مرد لحكمه ولا اعتراض عليه، لأنه يحكم بشرع الله، ويبين حكمه في فتواه هذا ما عرفناه. فما الذي جرى حتى تبدلت الحال، ووقع حادث الشيخ أبي العيون؟

ما الذي نزع هيبة المشايخ من القلوب وأنزلهم من مكانتهم عند الحكام؟

أأقول؟ أنتم أيها الأزهريون فعلتم هذا كله! أنتم تنكبتم سبيل أسلافكم، فما الشيخ اليوم شيخ مسلك ولكنه موظف محاضر، وما التلميذ مريد طيع، ولكنه على الغائب مشاغب، وما يطلب علما ولكن يبتغى شهادة. أنتم ثرتم على مشايخكم وعلمتم الناس الثورة عليهم. أنتم أيها الطلاب. أنتم مددتم أيديكم إلى مدرسيكم، فجرأتم هؤلاء أن يمدوا أيديهم إلى أبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>