سقط الخليفة الصابر الشهيد عثمان بن عفان مضرجا بدمه، ضحية المؤامرة الخطرة التي دبرها بإحكام عبد الله بن سبأ مالئ الأرض فتناً وشروراً وفساداً. فضج الناس من هول الفاجعة وفداحة الخطب وجأروا يطالبون بثأر عثمان. فانبلج ذهن أبن السوداء عن خطة مضاعفة ينجو بها هو ومن معه من القصاص، ثم يتحفز هو لأحكام مؤامرة أكبر، وسوق هذه الجماهير نحو فاجعة أكبر، وكارثة لا تذكر إلى جانبها الكارثة بعثمان رضي الله عنه.
انضم هو ومن تابعه إلى علي بن أبي طالب، حين انبرت السيدة عائشة وطلحة والزبير يؤلبون الجماهير للطلب بدم عثمان، فكان لابد للأمام علي من الخروج لرد السيدة ومن معها خشية أن ينبثق صدع جديد، فلما وصل إلى الكوفة كان أبن السوداء وأعوانه انشط جنده في الدعوة لأمره، وبذلك كانوا في حرز حريز من الثائرين لعثمان الذين احتلوا البصرة يستعدون.
جرت بين علي وأصحاب الجمل مكاتبات ثم سفراء ووفود، وتفاهم الفريقان، وفرح الناس بانقشاع الغمة، وتراضي المسلمين وجمع الكلمة على المشاورة في كل أمر، وعلى أن يكون أول الأمور حلاً أن يأخذ علي في قصاص قتلة عثمان، ورتق هذا الفتق الذي أحدثه أبن سبأ وأعوانه في أرض الجزيرة.
أرسل علي إلى رؤساء أصحابه بما تم عليه الإجماع من اتفاق وكذلك فعل طلحة والزبير، واتفقوا على الصلح، وبات الناس بليلة لم يبيتوا بمثلها فرحاً وابتهاجاً بما أشرفوا عليه من العافية والسلامة. أما أبن السوداء وأصحابه فقد باتوا بشر ليلة باتوها قط، وجعلوا يتشاورون ليلتهم في سر من الناس خشية أن يفطن أحد لما يبيتون من الشر.
المؤامرة:
أشرف الفريقان من أصحاب علي وأصحاب الجمل على الصلح والاجتماع، واطمأنوا إلى