للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تاريخ العرب الأدبي]

للأستاذ رينولد نيكلسون

الفصل الأول

- ٤ -

مصادر الأخبار:

وإن المصادر الرئيسية الهامة التي تدور حول سبأ وحمير لهي (أولا) تلك المسماة بالنقوش الحميرية، و (ثانيا) الأحاديث المنقولة في الغالب عن الأساطير والتي أبقاها لنا الأدب الإسلامي. وبالرغم من أن اللغة العربية الجنوبية قد ثبتت أقدامها في بعض الأماكن الجنوبية القاصية حتى عهد النبي أو بعده بقليل، إلا أنها أخذت تضمحل من أمد بعيد بتقوى لغة الشمال الجزلة الرائعة ثم أخذت منذ ذلك الحين تبسط سلطانها دون أن تجد لها منافسا في رحاب شبه الجزيرة، ولكن يجب أن نذكر أن اللغة السابقة لم تتلاش نهائيا. وقد حدث في القرن السادس الميلادي أن أناخ راكب بدوي بعيره وأخذ يتفرس في دهشة في بعض نقوش غريبة على حائط صخري، وقارن بين هذه النقوش العجيبة التي كاد الدهر أن يطمس معالمها وبين البقايا غير الواضحة تماما للأراضي المجاورة، التي كانت تفيض بالذكريات الجميلة. ويسمى المؤلفون المسلمون هذه الخطوط بالمسند، وإن قليلا من المسلمين كانوا يستطيعون قراءة حروف هجاء العربية الجنوبية، بل كانوا ذوي دراية بمبادئ وقواعد علم الإملاء أيضاً، وهذا يظهر لنا بجلاء من عبارة وردت في الكتاب الثامن من الإكليل للهمداني، ومع أنهم قد استطاعوا تفسير أسماء الأعلام والتعرف إلى مدلول الكلمات، إلا أنه لم تكن لديهم معلومات ثابتة عن اللغة نفسها، وسأشرح فيما بعد كيف كشفت هذه النقوش مرة ثانية بفضل بعض الرحالة الأوربيين، وكيف فسرت وأولت حتى غدوا على بينة منها قادرين على اتخاذها أساسا للبحث التاريخي، وما هي النتائج التي جنوها من دراستهم لهذه الناحية؛ ولكن قبل أن نأخذ في شرح ذلك أرى من الضروري أن أقول لماذا استعملت لفظ (العربية الجنوبية) أو (السبئية) القليل التداول بدلا من (الخطوط الحميرية) و (اللغة الحميرية): ذلك أن كلمة (حمير) ليست دقيقة إذا أردنا بها لغة هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>