قرأت في (الرسالة) مقالا للأستاذ الفاضل أحمد أمين عنوانه (التجديد في الأدب) فرأيت آراء بينة استحسنتها، وألفيت رأيا آخر لم أقبله، وقد هممت أن أكتب مجاملا الأستاذ ثم بدى لي أن أرجئ الكتابة إلى حتى يتم مقالاته، فلما قرأت المقال الثاني زاد الخلاف بيني وبينه. ثم عرفت أنه سيتلبث قليلا فلا يكتب عن هذا الموضوع في العدد الآتي فسارعت إلى الكتابة وأنا اشعر أن الذي يحبب إلى مجادلة الأستاذ حبي واعظامي وتلمسي محادثته كلما وجدت إليها سبيلا في المجالس أو في صفحات المجلات.
قابلت الأستاذ بعد أن قرأت المقال الأول فقلت: سأنتقد مقالك أو اشرحه. فقال مازحا: قبل أن تقرأه؟ فقلت نعم. ذلك أنني أنشأت أنا وصديقي الأستاذ العبادي في بعض الأسفار أبياتا وسميناها (القصيدة المكتمة) وكتمناها الأستاذفقال: لا أبالي هذا الكتمان، وسأشرحها دون أن أراها. وأذكر أني قابلته مرة فقلت:(سؤال) فقال قبل أن يستمع إلى سؤالي: (جواب) أتريد أن أجيب قبل السؤال أو بعده؟ ولكن ليطمئن أستاذنا وليعلم أني قرأت مقاله قبل أن أكتب عنه، وهو أمامي الآن أقرأه وأكتب ما يبدو لي فيه.
أعجبني قول الأستاذ عنالمجددين:(فإذا سألت المجددين ماذا يريدون بالتجديد، وما ضروبه وما مناحيه وماذا يقترحون أن يدخلوه على الأدب العربي؟ جمجموا في القول وأتوا بكلمات غير محدودة المعنى ولا واضحة الدلالة) وأنا أزيد علىهذا أن التغيير ليس فضيلة ينبغي الحرص عليها والتنافس فيها والتفاخر بها، وإنما يستحسن التغيير أو التجديد حين تدعو الحاجة إليه. والكاتب النابغ إذا أحس الحاجة إلى التجديد بدّل وغيّر وابتدع في غير صخب ولا سخرية ولا مباهات، ثم عرض على الناس نتاج رأيه، وثمرة ابتكاره فيرضونها، أو يجادلون في أمر وضحت معالمه واستبانت حدوده. الكاتب المجدد حقاً هو الذي يمضي في سبيله قدما، مبيناً عن آرائه ومشاعره على الأسلوب الذي يفي بهذا البيان. والخطة التي يؤثرها ويفصلها لا يتكلف الإغراب والشذوذ ليقال انه مجدد. والشاعر المطبوع هو الذي يسير على فطرته مخلصاً لنفسه مبيناً عنها لا يبالي أن يكون قد لزم الجادة المطروقة أو