لقيت الشيخ العلامة خليلا الخالدي في الأسكندرية، ففرحتُ بمقدمه إلى هذه المدينة، وكنت أحسبه لا يعرف كثيراً من مشاهدها وأخبارها. جلسنا نتحدث والشيخ إذا ترك لشأنه لم يتجاوز حديثه الكتب والمؤلفين ومعاهد العلم ودور الكتب. فلما تحدث عن خطوط العلماء الجيدة والرديئة - وقد ذكرت هذا في مقال سابق - قال: وكان الطرطوشي من أصحاب الخطوط الرديئة. فلما ذكر الطرطوشي وهو من علماء الإسكندرية نقلت الحديث إلى علماء هذه المدينة؛ فإذا الشيخ عالم بأخبارها خبير بمزاراتهم. ذكر من المحدثين والعلماء عبد الرحمن بن هرمز والسِّلفي والقاضي سند وابن المنّير. وذكر من الصوفية أبا العباس المرسي والبوصبري والأسمر وياقوت العرش. وتواعدنا يوماً نزور فيه هؤلاء الكبراء
وتلاقينا يوم الاثنين سادس رجب (٢١ أغسطس)، وكان معنا الأستاذان عبد الفتاح عزام وعبد الغفار الطنطاوي. فذهبنا صوب الميناء نسأل عن عبد الرحمن بن هرمز حتى وقفنا على مسجد صغير في أحد جوانبه حجرة يتوسطها قبر يقول الناس إنه لأبن هرمز، ورأينا لوحاً على الجدار كتب فيه أن هذا قبر عبد الرحمن ابن هرمز المتوفى سنة سبع عشرة ومائة. قال الشيخ: وهو ممن روي عن أبي هريرة: قلت: بل هو من واضعي علم النحو ومن تلاميذ أبي الأسود الدؤلي. قال ابن الأنباري:
وأما الأعرج فهو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. وكان مولى لمحمد بن ربيعة بن الحارث بن المطلب. وكان أحد القراء عالماً بالعربية وأعلم الناس بأنساب العرب. وخرج إلى الإسكندرية وأقام بها إلى أن مات سنة سبع عشرة ومائة
ونقل السيوطي عن الزبيدي أنه كان من أول من وضع العربية. ثم سرنا إلى مسجد آخر فألفينا في حجرة متصلة به قبرين كبيرين كتب على أحدهما: أبو بكر محمد بن محمد بن الوليد النهري الطرطوشي المتوفى سنة ٥٢١. قال الشيخ: له كتاب البدع وهذا الكتاب وكتاب البدع لابن وضاح مأخذ كتاب الاعتصام للشاطبي صاحب الموافقات. قال وبين وفاة الطرطوشي وابن رشد الكبير شهران أو ثلاثة