للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في سنن الله في الاجتماع]

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

الإسلام دين الفطرة. بذلك شهد الله سبحانه إذ يقول في سورة الروم (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم) فأحكام الإسلام إن هي إلا تطبيق محكم من الله للسنن التي فطر الله عليها الناس في الاجتماع.

والناس في اجتماعياتهم لم يهتدوا بعد إلى قوانين الفطرة وإنما يحدسون ويظنون. فنجاحهم في الكشف عن سنن الفطرة في المادة لا يعادله إلا فشلهم في الكشف عن سنن الفطرة في الروح، روح الفرد وروح الجماعة. وهم أنجح في تفهم روح الفرد في علم النفس منهم في تفهم روح الجماعة في علوم الاجتماع. وآية ذلك الاختلاف السائد في هذه العلوم في حين أن لا اختلاف هناك في العلوم الطبيعية، علوم المادة والطاقة، لا في قوانينها ولا في وقائعها وإن كان هناك طبعاً اختلاف في الفروض والنظريات المتعلقة بما لا يزال منها قيد البحث والنظر والتمحيص. فعلوم الاجتماع في كثرة اختلافها وقلة اتفاقها تشبه العلوم الطبيعية في جزئها المجهول وما تعلق به من فروض، أي أنها لا تزال في دور التكوين، دور الحدس والتخمين.

ودور الحدس والتخمين دور ضروري يمر به كل علم في بحث ظواهره قبل أن يصل فيها إلى يقين. لكن علوم الاجتماع يعوزها ما ليس يعوز العلوم الطبيعية من معيار يفصل به بين الحق والباطل، ونميز به بين الخطأ والصواب. فالعلوم الطبيعية تحتكم إلى التجربة العلمية في الفصل بين الفروض المختلفة التي يؤتى بها لتفسير الظاهرة الواحدة، أي تحتكم في الواقع إلى الفطرة نفسها التي تجيب دائماً نفس الجواب عن نفس السؤال كلما أحسن العلم الطبيعي توجيهه. وهذا إن هو إلا مظهر لاطراد الفطرة في سننها، ونتيجة لازمة لذلك الاطراد. لكن العلوم الاجتماعية لا تملك ما يملك العلم الطبيعي من التجربة العلمية التي يتحكم العالم في إجرائها بالصورة التي يرى أنها أدنى أن تؤدي إلى الكشف عن الحق في موضوعها. صحيح أن علماء الاجتماع يستعينون أيضاً بنوع من المشاهدة، ولولا ذلك ما كانت هناك علوم اجتماعية قط. لكن شتان بين المشاهدتين: بين مشاهدة يكيفها ويضبط ظروفها المشاهد كما في العلم الطبيعي، وبين مشاهدة لا يكاد يكون هناك سبيل إلى التحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>