للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في سبيل سياسة إيجابية للجامعة العربية]

للأستاذ عمر حليق

من الأخطاء التي ارتكبها العالم المتمدن اعتقاده أن العلة الأساسية التي جعلت تاريخ الإنسانية في الخمسين سنة الأخيرة سلسلة من الحروب الداخلية والخارجية هي فساد المذاهب السياسية، وأن الدواء الوحيد لها هو تغيير هذه المذاهب. ومن هنا تولدت الأنظمة النازية والفاشية والشيوعية والديمقراطية المعاصرة والاشتراكية، ومن هنا كذلك تألفت عصبة الأمم المنحلة، وهيئة الأمم القائمة.

هذا الاعتقاد خاطئ لأن التجارب المريرة التي مرت بها الإنسانية في ظل هذه النظم - نازية أو ديمقراطية أو شيوعية في عصبة الأمم أو في هيئة الأمم المتحدة - كلها لم تُشف الإنسانية من علة الحروب ومن علة الشقاق الداخلي ومن علة التناطح في العلاقات الدولية.

هذا الاعتقاد خاطئ لأنه يعالج النظم قبل أن يعالج الفرد الذي يتبنى هذه النظم ويتولى تنفيذها أو يعمل على تقييد نفسه بالتزاماتها. وهو خاطئ لأنه في حماسته لتحقيق الأهداف ينسى أو يتجاهل خطورة السبل والوسائل.

فمصيبة النازية والشيوعية والديمقراطية الغربية، ومصيبة عصبة الأمم وهيئة الأمم ليست فقد في المبادئ والفلسفات التي بنيت عليها، فكلها مبادئ تتوخى - نظريا على الأقل - إسعاد المجتمع الذي تعمل فيه وتوفر له الاستقرار والرخاء.

ولكن المصيبة في الأفراد الذين تولوا ويتولون العمل لها، ومصيبة الوسائل والسبل المتخذة لتحقيقها.

وجامعة الدول العربية هي واحدة من هذه المذاهب السياسية التي شعر سكان الشرق العربي بحاجتهم إليها في هذه المنطقة الخطيرة من العالم؛ وفي هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها المجتمعات الصغيرة المتقاربة المتشابكة التي تنطق بالضاد.

وفي هذه الأزمة النفسانية العاصفة التي تجتاح العالم العربي، وفي أعقاب هذه النكسات السياسية في هيئة الأمم العسكرية في الميدان تتناول ألسنة الرأي العام الجامعة العربية بالنقد اللطيف حينا والعنيف أحيانا. وفي هذه الأزمة تتعرض المبادئ والفلسفة التي بنيت عليها الجامعة العربية لخطر جسيم. ولعل هذا الخطر هو أو هي ما يواجه الشرق العربي

<<  <  ج:
ص:  >  >>