وفي هذه الأزمة النفسانية قد يقع العرب في نفس الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون حين ألمت بهم أزمات مشابهة، فهم في بلبلتهم الفكرية والعاطفية يميلون لأن يجسموا موطنا واحدا من مواطن الضعف في نظرة ضيقة، بل هم أميل إلى البحث عن لون من الحياة جديد. وتكرر المأساة من جديد وهكذا دواليك.
فليس من الغريب إذن أن يتخذ بعض الناس هذه النظرة نحو جامعة الدول العربية وفكرة الوحدة العربية إجمالا فأن هذه النزعة وليدة شعوبية متأصلة، ولكنها في أغلبها مخرج من أزمة نفسية.
ولهذا، فإن الأزمة التي تواجهها الجامعة خطيرة خطورة الفكرة التي تحملها. ولنقرر قبل كل شيء أن الفكرة والبادئ التي بنيت عليها وتدعو إليها الجامعة العربية هي مبادئ سليمة. هذه أمور أساسية مستمدة من صميم الفكر السياسي والاقتصادي المعاصر، ومن صميم المقدمات الثقافية (وهي تشمل السياسة والاقتصاد والعاطفة) التي يعيش عليها الناطقون بالضاد في الشرق الأدنى.
هي مستمدة من صميم الفكر السياسي المعاصر لأنها دعوة إلى التآلف الإقليمي والتكتل السياسي، على أساس المصلحة الحيوية المشتركة في السياسة والاقتصاد والعصبية الثقافية وجميعها دعائم ضرورية للحياة الشريفة.
والجامعة العربية هي أول محاولة جدية للتعاون الإقليمي على أحدث ما أنتجته الفلسفة السياسية المعاصرة. والتعاون الإقليمي منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويحتل مكانة بارزة أشد البروز في تكوين هيئة الأمم المتحدة الداخلي وفي نشاطها ونشاط فروعها والوكالات الخاصة الملحقة بها.
فمحاولة حلفاء الغرب توحيد أوربا الغربية ومحاولة الروس في شرقي أوربا، ودول العالم الجديد في مشروع الحلف الأمريكي مسبوقة بمحاولة الجامعة العربية للتكتل على دعائم أمتن وأبعد شأوا وأرفع في مقاييس الخبر والشر في العلاقات الدولية.
ومع ذلك فإن الجامعة العربية تواجه أزمة من طراز حاد، والسبب في ذلك لا يرجع إلى مبادئها وأهدافها ولكن إلى الأفراد والسبل التي تحمل الدعوة إلى هذه المبادئ وتعمل