كان الناس منذ عهد قريب يقرءون في القصص الغربية أفانين من فجور النفس وقحة الهوى وبغي الفتنة، فتفيض عيونهم من الدمع رحمة للزوجة التي أعمتها الغواية، وللزوج الذي أشقته الخيانة، وللطفل الذي أيتمه الطلاق؛ ثم يُسَرِّي عنهم أنها فجائع إن تكن في الغرب فنحن في الشرق، وإن تكن من زور الخيال فنحن في حقيقة الواقع. حتى عشنا معيشة أوربا، وفتحنا دورنا لكل طارق، وصدورنا لكل متودد، فأصبح ما يجري هنا صورة لما يجري هناك، وما كان معدوداً من خداع الفن صار جارياً على نظام الطبيعة!
عرفت زوجين شابين تعارفا بالجمال وتآلفا بالحب، ثم عاشا على اختلاف الدار والجنس معيشة أهل الجنة: صفاء غير مشوب، وولاء غير مكذوب، ورخاء في ظلال النعيم والأمن يبسط المشاعر وينشر الأنس ويجمِّل الحياة
كان الزوج مثلاً في الإخلاص والرعاية لزوجه، فلا يفكر إلا فيها، ولا يسعى إلا لها، ولا يفهم وجوده إلا مضافاً إليها ومتصلاً بها. وكانت الزوجة آية في الوفاء والطاعة لزوجها، تقاسمه هم العمل، وتساهمه دعة المنزل، وتبادله رجاء المستقبل، وتتقلب معه في الشدة والخفض غير متبرمة ولا متجهمة. وكانا معاً بهجة الأسرة وأنس الأصدقاء، فلا يخلو بيتهما من سمر، ولا ليلهما من زيارة، حتى أصبحا في بيئتهما الخاصة مثلاً مضروباً في الزوجية الموفقة والحياة السعيدة
وكانت حياتهما الأوربية تقضي عليهما أن يكابدا التعرف العارض والخلاط المستمر. والعصمة من شرور الأخلاق في مثل هذه الحال لا تجد لها مناطاً إلا ثقة الزوج في الزوج، واطمئنان النفس إلى النفس. وثقة الرجل المثقف في المرأة المثقفة أصبحت في المجتمع الحديث من القضايا المسلّمة والأمور المفروضة. فلا ينبغي أن تحوم حولها شبهة، ولا يقوم عليها جدل
وكان فيمن يختلف إلى بهوهما الأنيس الباش فتى من أهل الرواء، خداع الملامح، خلاب الأحاديث، يعد نفسه في الطراز الأول من ثقافة الفكر والخلق. تقلب طويلاً بحكم منصبه في البيئات الدبلوماسية المختلفة، فحذق الكلام والهندام، ومهرَ الغناء والرقص، وأحكم