النظرة التي تنفذ، والبسمة التي تقول، واللفتة التي تعجب؛ وامتلأ ذهنه من صور الدنيا وحوادث الناس، فكان جميل المحاضرة عذب المفاكهة حتى ليستولي على المجلس فلا يترك فيه مسمعاً إلى أحد. وكان مَذاعاً يتمزى على زملائه، ويتبجح بالحظوة عند رؤسائه، ويلقي في روع السامع أن له المكانة المرفوعة والكلمة المسموعة والغد المضمون. فاستطاع بكل أولئك أن يخدع الزوجين بمظهره عن جوهره، فكبر في نفس السيد، وحلا في عين السيدة
ودخل هذا الفتى جنة الزوجين دخول إبليس، فحرك فيها السَّموم وسَفَى عليها الكدر! فلا الزهر نفاح باسم، ولا النسيم رِخيٌّ أرج، ولا الجو بهيج طلق، ولا العش الصادح في أفياء الشجر ناعم آهل! وسوس الشيطان لحواء قال لها: إن السعادة في بيت غير هذا البيت، والثروة عند رجل غير هذا الرجل، والجاه في منصب غير هذا المنصب! وهذه المزايا التي لك على الأتراب في الجسم والفكر والطبع لم يجملك بها الله لتحبسيها في هذا القفص الشعري الذي تهدهده الأحلام على نغمات الحب والأمل. ليست الحياة كلها شعراً يا حواء! وإن بجانب النفس الشاعرة نفوساً أخرى هواها في المال واللهو والسلطان والعظمة. ومن زعم أن نعيم الدنيا في الغزل، وزينتها في الرياض، وبهجتها في المنى، فقد أنكر المعروف وتجاهل الواقع. وكان الشيطان المُغْوِي حِدْثَ نساء، فعرف كيف يندس بالخديعة إلى الزوجة الضعيفة، فأصغت إلى نزغاته بأذنها ثم بقلبها. ثم أصبحت فإذا زوجها مسؤوم، وبيتها موحش، وعيشها تافه؛ وأحست برباط الزوجية يشتد على حناياها اشتداد الوثاق على ضلوع الأسير. لم تعد الجنة في عينها هي الجنة، ولا آدم في قلبها هو آدم! وأوهمها الخيال أو الخبال أن النعيم المقيم هو في أكناف إبليس على متون السحب وربى الجبال وشطئان الأبحر. ولكن عشر سنين قضتها مع الزوج الوفي في نشوة متصلة من الحب المواسي لا يمكن أن تخفت أصداؤها العذبة في لحظة. فكانت كلما تخلصت من فعل الغواية صارحت زوجها بأنها تحب هذا الفتى حباً غطى على بصرها وبصيرتها فهي لا ترى ولا تفهم. وسألته يوماً أن يحتال لبرئها من هذا الخبل، فاتفقا على أن ترحل إلى أوربا تنشد في أجوائها المختلفة السكينة والسلو، حتى إذا أقبل الصيف وتعطل العمل لحق بها زوجها، فربما إنجاب الغشاء عن العين والقلب فأبصر الأعمى ورشُد الغوي! ولكن الفاجر علم