هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور طه حسين بك في مساء يوم الاثنين بقاعة الليسيه فرنسيه، وقد بدأ بالتساؤل عن معنى الأدب والسياسة، فانتهى إلى الكلام لا يكون أدبا إلا إذا زيد فيه على تأدية المعاني العادية الإمتاع الفني الذي يتحقق في المعنى واللفظ وطريقة الأداء حين يريد الأديب أن يؤثر في النفوس ويثير فيها العواطف المختلفة، كما انتهى إلى أن السياسة اعم مما يفهم منها حين يراد بها العلاقة بين الحكومة والشعب، أو بين البرلمان والحكومة وحين يراد بها النزاع بين الأحزاب على الحكم ونظمه لان السياسة تشمل شئون الشعب من حيث علاقات أفراده وجماعاته وطبقاته بعضها ببعض كما تشمل علاقة الشعب بالشعوب الأخرى في شتى نواحي الحياة، أي إنها تشمل الحياة الاجتماعية كلها. وقال الدكتور: أن هذا هو المعنى الذي افهمه للسياسة حين أتحدث إليكم في العلاقة بين الأديب والسياسة.
وعلى هذا الوضع نستطيع أن نتبين هل يمكن للأديب أن يعيش في عزلة عن المجتمع؟ أن ذلك لا يمكن لأن الأدب ظاهرة اجتماعية والأديب أداة اجتماعية لا يستطيع أن يعيش بنفسه ولنفسه، ساق حياة المعري مثلا على العزلة الظاهرية التي تدل على عدم إمكان الانقطاع عن حياة الناس؛ لأنه لزم داره حقا، ولكنه أنشأ أدبه في شئون الناس؛ ينتقد حياتهم ويسفه اراءهم؛ فاعتزال الأديب غير ممكن، وما مسالة البرج العاجي غير خداع وأوهام. وقال انه عرف بعض الأدباء الذين يزعمون انهم يعتصمون بالبرج العاجي من المصريين وغير المصريين فلم ير أحداً اشد منهم تهالكا على نشر آدابهم وحرصا على رضا الناس عنهم وخوفا من سخطهم على إنتاجهم.
فلندع إذن هذه المسالة الوهمية لننظر فيما يضطلع به الأديب؛ فهو أما أن يكون مترفا في أدبه يخلص من مشاغل الحياة إلى إمتاع العقل والقلب بفن رفيع وهذا الحقيقة لا يتجنب مسائل الحياة، وإنما يعالجها على نحو لا يدركه إلا الخاصة، أو يكون الترف بالتلهية والتسلية كالذي يقصر الوقت بين الاستلقاء على الفرش والاستغراق في النوم، أو يعمد الأدب إلى جد الحياة فيشارك في التوجيه والتثقيف وبصور الآلام والآمال.