للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصوم عن القاهرة في يوم العيد]

(رسالة مهداة إلى الأستاذ الزيات، وإلى من تعنيهم مكانة القلم

البليغ)

للدكتور زكي مبارك

كان من السنن الجميلة أن أقضي يوم العيد بين أهلي في الريف وكان للعيد في حياتي تأثير جميل؛ فقد كنت أسمع من أمي وخالاتي وعماتي دعوات أكاد أشهد صعودها إلى السماء

وما أذكر أني قضيت العيد بعيداً عن أهلي إلا في الأعوام التي قضيتها بين الاعتقال والاغتراب، ولله حكمة عالية في ابتلاء القلوب بألوان من الضجر والضيق تؤهلها لإدراك بعض المجاهيل من بيداء الوجود

وفي صيحة أحد الأعياد مضيت إلى (سنتريس) وأنا خالي الذهن من المفاجئات، فراعني أن أرى أبي يجذب يدي فيقبلها بحرارة وشوق، وكنت أنا الذي يقبل يمناه في جميع فرص اللقاء ولو أتيحت في اليوم الواحد عشرات المرات، فماذا فهمت من ذلك العطف الجديد؟

قدرت أن أبي سيموت، وأنه لم يقبل يدي إلا إيذاناً بالوداع، وأنني لن أره في مثل ذلك اليوم من السنة التالية، وأن الدنيا لن تسمح بأن أرى العيد في صحبة صديق كان غايةً في صباحة الوجه، وحصافة العقل، وطهارة الوجدان. وهل رأت عيناي رجلاً أفضل من أبي؟

وصفه المسيو دي كومنين لأحد محدثيه بهذا الوصف الطريف:

'

يرحمك الله، يا لأبي! ويرحم أيامي في رعاية قلبك الرفيق!

كان أبي يحبني إلى حد الإسراف، وكنت خليقاً بذلك الحب، فما بات من أجلي ليلة واحدة وهو مخزن ومكروب. وهل جشمت أبي ما لا يطيق، أو فرضت عليه أن يحسب لمتاعبي أي حساب. مع أنه لم يمت إلا بعد أن تمرس كاهلي بحمل الألوف من المصاعب الثقال؟

ثقل على قضاء العيد في الريف بعد موت أبي، فكيف كان العوض من ذلك الحرمان؟

أشار أخ كريم بأن أزور قصر جلالة الملك يوم العيد لأقيد اسمي في دفتر التشريفات، فماذا غنمت من تحقيق ذلك الاقتراح الجميل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>