للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحلم والتحلم. . .]

للأستاذ محمود عزت عرفة

(تتمة)

(إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعضه،

ومن يتوق الشر يوقه) حديث شريف

تماحي الرذائل:

قال طرفة في شعر له: حنانيك، بعض الشر أهون من بعض! وتلك جملة موجزة في لفظها وفي معناها، ولكنها تنطوي على حكمة بليغة، وتكن نظرية في الأخلاق عظيمة النفع إذا نحن حاولنا أن نفهمها وأن نحسن تطبيقها، ومؤدي هذه النظرية أن يتقبل الإنسان الشر والشرور، ويحتمل غضاضة الرذيلة من الرذائل، تخلصاً بهما من شر ورذيلة أبلغ ضرراً وأوخم عاقبة وتعد هذه مرحلة - لابد منها - نتحول بها من وضع إلى وضع، فنخلص بأنفسنا من غياض الشر إلى غياض الخير، وننتقل بجوهر أخلاقنا من مناقع الرذيلة إلى منابع الفضيلة.

ذلك أن الخير (كالحلال) بيّن، والشر (كالحرام) بيّن، وبينهما أمور متشابهة، يلتبس فيها حق بباطل، ويلتقي صباح بممنوع. .

وتحذير الرسول عليه الصلوات، في حديثه المعروف، من هذه المواطن التي يشتبه فيها الحرام بالحلال إنما يتجه إلى الأخيار الذين أحرزوا من الفضيلة القسط الوافر. لأن تلبس أحدهم بالمتشابهات يعد انتكاساً له بعد عافية، وانحداراً لنفسه بعد ارتقاء، أما من ران الشر على قلوبهم، وملكت الرذيلة عليهم وردهم وصدرهم، فهؤلاء سبيلهم إذا أرادوا الخلاص لأنفسهم أن يحاولوا (الترقي) أولاً إلى درجة المتشابهات، لأنها الطريق المفضي بهم فيما بعد إلى الخير والفضيلة خالصين من كل شائبة. ويعد هذا الترقي إلى المتشابهات في حقهم فضيلة وتقدماً، وإن عد في حق الفضلاء من غيرهم شراً وارتكاساً، لا غرو فحسنات العاصين سيئات المطيعين!

وقد ذكرنا قبل من دواعي (التحلم) ما يعد وسائل إلى بلوغه وتحصيله، وضروباً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>