زارني صديق أديب وقال لي: أنني أميل إلى كتابة القصة، لكنني غير متمكن من قواعدها، فهل لك أن تعينني على ذلك؟ أرشدني إلى اساليبها، واطلعني على كيفية بنائها، وكن على يقين من إنني لن أنسى لك هذا المعروف ما حييت.
فأجبته: القصة فن قائم بذاته يا صديقي يعتمد بالدرجة الأولى على مواهب القاص، ودقة إحساسه، ومستوى ثقافته، ومدى اختباره للحياة، وعلى ذلك تراني عاجزاً عن تلبية رغبتك.
قال: إنني درست بعض قواعد القصة، وقد رسخت في ذهني، لكنني لم أوفق بعد في وضع قصة قوية في عقدتها، مثيرة في خاتمتها.
قلت: إذا كنت درست فن القصة، فكيف تحدده؟
قال: أستنادا إلى ما رواه أبو العباس الشريشي في (شرح المقامات الحريرية)، (فالقصة هي نقل الحديث من صاحبه إلى طالبه). . . وجاء في مقدمة كتاب (جمع الجواهر في الملح والنوادر) لأبي إسحاق الحصري القيرواني: (أن القصة هي التي ترتاح إليها الأرواح، وتطيب لها القلوب، وتشحذ بها الأذهان، وتطلق النفس من رابطها فتعيد بها نشاطها إذا ما انقبضت بعد انبساطها). . . وقال بديع الزمان الهمذاني في (المقامات): (وربما كان للقصة سبب لا تطيب إلا به، ومقدمات لا تحسن إلا معها فعلى المحدث أن يسوقها).
قلت: إن ما ذكرته لي من أقوال في القصة لأدباء العربية الأقدمين لا يساعدك على وضع قصة. . . فللقصة العصرية خمس قواعد فنية دقيقة هي: الصدر، والعقدة، وتطور الأحداث، والقمة، والخاتمة.
قال: اضرب لي مثلا في مادة تصلح لأن تؤلف قصة، وطبق عليها هذه القواعد، مرحلة فمرحلة.
فارتجلت هذا المثل البسيط: كان لعزيز جار، وكانت علاقتهما جد سطحية، لا تتعدى تبادل التحيات في الصباح أو المساء، والتبريك في المواسم أو الأعياد، لكنهما كانا يجتمعان في كثير من الأحايين في حلقة ذكر، أو حفلة مولد، أو فرح بمناسبة عقد قران، أو طهور أطفال، حتى وفي هذه الاجتماعات العامة كانت علاقتهما لا تتجاوز التحية أيضا، والسؤال