للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن الطقس، والأحوال العامة، والثناء على صاحب الدعوة، والتنويه بكرمه ولطفه.

وفي فجر أحد الأيام، استيقظ عزيز كما استيقظت الحارة كلها على عويل صبايا، وصراخ أطفال وولولة عجائز، فعلم من ذلك أن أسرة من الأسر أصيبت بمكروه، فاطل برأسه من النافذة، فشاهد رؤوسا كثيرة تطل من نوافذها أيضا، متتبعة مصدر الأصوات، مستفهمة عما حدث. . . وبعد قليل من الوقت نمى إلى عزيز أن جاره قضى نحبه، فتمتم قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله. . . إنا لله وإنا إليه راجعون.

ورأى أن الواجب يدعوه لان يسير في جنازة جاره عملاً بالتقاليد المرعية منذ قرون فتعطل عن عمله في ذلك النهار، وخرجت الجنازة حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، وسار عزيز خلفها، وكان الطقس حارا، والشمس تسطع في كبد السماء، وبعبارة أخرى كان ذلك في العشرين من تموز (يوليو)، وكانت درجة الحرارة وقتئذ تشير إلى الأربعين سنتيغراد، وهي الدرجة التي يكتب في الموازين إزاءها كلمة (سنيغال). . . أي ما فوق حرارة الإنسان.

سار عزيز خلف نعش جاره وسار إلى جانبه شخص لا يعرفه، ولما كانت المقبرة تقع على مسيرة نصف ساعة رأى ذلك الشخص أن يقطع الوقت بالتحدث إلى عزيز، فأستهل كلامه قائلا: حر لا يطاق!. . . فأجاب عزيز: جهنم. . .

- إن عزرائيل لا يرحم!. . .

- لا يرحم المشيعين فقط. . . أما الميت، فسيان عنده الحر أو البرد.

- أنت تعرف المرحوم؟. . .

- أعرفه معرفة سطحية مع أننا جيران. . . غير أن المشهور عنه في الحارة إنه كان دمث الأخلاق.

وهنا أعترضت الجنازة سيارة شحن فعرقلت حركة المرور، وسدت الطريق على باقي السيارات فاختلطت مع بعضها، مما اضطر المشيعين إلى الوقوف مدة عشر دقائق. . . وكان عزيز يكاد يجن من شدة القيظ فتارة يجفف العرق المتصبب من وجهه بمنديله، وتارة يضع هذا المنديل على راسه، ويغطيه بطربوشه، وطورا يرفع الطربوش والمنديل ويضع راحته على رأسه، وطورا آخر يغتنم فرصة وجود شخص ضخم الجسم يسير أمامه

<<  <  ج:
ص:  >  >>