للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر وقت الفتح الفاطمي والعوامل التي مهدت لهذا]

[الفتح]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تتمة

- ٣ -

كانت الدولة الفاطمية تضطرم بهذا الروح الوثاب، وهذه الخلال البدوية النقية حينما اعتزم المعز لدين الله فتح مصر، وكانت هذه الروح والخلال هي دعامة الدولة الجديدة؛ نشأت في مهدها، كما تنشأ معظم الدول المغامرة التي تجد في قفار المغرب خير ميدان لطالعها ونشاطها. وكانت هذه الإسبارطية الصارمة تطبع تصرفات الغزاة منذ البداية؛ وبينما كان أبو عبد الله الشيعي داعية الفاطميين وطليعة دولتهم يزحف بعصبته من البربر على بني الأغلب لينتزع ملكهم، كان زيادة الله بن الأغلب مكباً على لهوه ومسراته، ولم يك ثمة شك في مصير ملك يغشاه مثل هذا الانحلال في الروح وفي الخلال؛ ولما تم الظفر لأبي عبد الله ودخل رقادة عاصمة الأغالبة، واحتوى على تراث بني الأغلب، عرضت عليه جواري ابن الأغلب وفيهن عدة فائقات الحسن، فلم ينظر إلى واحدة منهن، وأمر لهن بما يصلح شأنهن وأقام على ما كان عليه من تقشف بالغ وخشونة في المأكل والملبس، ولم تزد إقامته في القصر الأنيق على إقامة القفر الساذج

ولما اعتزم المعز أن يحقق أمنية أسرته في افتتاح مصر، استعد لذلك استعداداً عظيماً، وحشد كل ما استطاع من جند وذخيرة ومال، وعهد بتلك الحملة الزاخرة إلى أعظم قواده جوهر الصقلي؛ ومع أن المعز كان قوي الأمل في التغلب على مصر، ومع أنه كان يعرف من طلائعه وعيونه مبلغ ما انتهت إليه من التفكك والضعف عقب موت كافور، فإنه لم يدخر عدة في الرجال أو المال، وإليك رواية توضح لنا ضخامة هذه الأهبة: استدعى المعز يوماً أبا جعفر حسين بن مهذب متولي بيت المال، وهو في وسط القصر، وقد جلس على صندوق وبين يديه ألوف صناديق مبددة، فقال له: هذه صناديق مال، وقد شذ عني ترتيبها، قال الحسين، فأخذت أجمعها حتى رتبت، وبين يديه جماعة من خدام بيت المال والفراشين،

<<  <  ج:
ص:  >  >>