دفعني حب الاستطلاع إلى مشاهدة مناقشة رسالة الأستاذ (أنور مصطفى الأهواني) في يوم السبت الماضي عن (رئيس الدولة في النظام الديمقراطي) التي تقدم بها إلى (كلية الحقوق) بالجيزة. ولطالما تاقت نفسي - بعد أن طوفت ما طوفت في جامعات لأوربا وشهدتُ مناقشة رسائل عدة بها - إلى أن أحضر نقاشاً في جامعة مصرية يكون فيها المحتكمِ والمحتكَم إليه من المصريين. ولقد تركت أحسن الثر في نفسي تلك الساعات القليلة التي قضيتها في مدرج كلية الحقوق أستمع إلى الحوار الذي دار بين أعضاء لجنة التحكيم وبين مقدم الرسالة. وراعني حقاً حرص المحكَّمين جميعاً على الفصل بين العلم والسياسة، وإيثارهم التفرقة بينة لغة الكتب ولغة الصحف، وأن يكون النقاش كله بالعربية الفصحى وإن رأت لائحة الكلية غير ذلك
وكان يسود الجلسة روح من المرح والإفادة، وكان يغشاها جلال العلم ورهبته لولا ما تخللها من تصفيق استحسان أو قهقهة استملاح. وحبذا لو عمل رؤساء لجان التحكيم على أن يظل للعلم حرمته ولقاعة المباحث ما لا يذهب بقدسيتها ويصيرها سرادقاً يضم خطباء ومعجبين.
ولقد أظهرت مناقشة المحكمين للرسالة دراستهم إياها دراسة مستفيضة وإلمامهم بموضوعهم إلماماً تاماً، ودلت على غزارة مادتهم واطلاعهم على ما كتب الأعاجم، ولا غرو فمن بحرهم نهلوا أو عليهم تتلمذوا. وعندي أن لو هيئ لهذا الشباب الناهض من الأساتذة، مجال العمل وإيقاف النفس على العلم وحده دون تطلع إلى مناصب القضاء أو الإدارة لأتي بأطيب الثمرات، ولأنجبت مصر مئات من عبد الحميد بدوي وأحمد ماهر
وكان غريباً أن يطلب إلى المرشح أن يذكر ملخصاً لأطروحة باللغة الفرنسية، ولا أكتمك أنني أحسست عند ذاك يخدش في عزتي القومية، وتساءلت كيف نكون في جامعة مصرية، وبين أساتذة وطلبة مصريين تُنَاقَشُ رسالة مصرية بلغة أعجمية؟ ولم يذهب بدهشتي إلا قول جار لي إن لائحة الكلية تجيز ما كان. إلا أنه إذا صح لِلاَّئحة أن تجيز ذلك أيام أن كنا فقراء في العلماء وكان الأساتذة الأعاجم يشتركون في مناقشة الرسائل، أو لا يجدر بنا أن