نغفل هذا الأمر اليوم بعد أن توفر بيننا العدد الكافي من المحكمين المصريين؟
ثم أعود فأقول إن من صواب الرأي أن يؤذن للطالب بالحديث والرد وهو جالس لا أن يترك أكثر من ساعة واقفاً كالخطيب يستند على إحدى قدميه تارة وعلى الثانية أخرى. إن المرشح يكون في حال نفسية تتطلب أن توفر له أسباب الراحة، ولن يكون هذا بتركه يلقي ملخص رسالته وهو واقف والكرسي بجانبه. ولعل إدارة الكلية تفكر في أن تضع ثلاثة مصابيح ثابتة على منصة المحكمين أمام كل عضو مصباح حتى لا يتكرر ما تكرر في الجلسة التي نكتب عنها مما ذهب ببعض جلالها
وبعد، فلقد كان الدكتور سيد صبري بارعاً في محاجته للطالب وإن ظهرت عليه روح التحامل الخطابة أحياناً. وكان بارعاً كذلك في دفاعه عن نفسه وتنصله من أنه (يميل إلى الحلول الوسطى) أو (أن بعض العبارات في كتبه غامضة) وكانت روح الدعابة التي مزج بها نقده تخفف على الممتحَن بعض ما لقي منه.
أما الدكتور وحيد رأفت فكان حواره حوار العالم الذي لا يرمي من وراء مناقشته إلا إلى الوصول إلى الحقيقة وإرشاد المخطئ إلى مواضع خطئه. وكان التزام سبيل المنطق في الإقناع أكبر عون له في بلوغ غايته؛ وألبست نبرات صوته المتزنة الهادئة الجلسة جلالا فوف جلالها؛ فكان الكل آذاناً صاغية له.
وكان صديق الدكتور عثمان مثلاً للشباب الحي. ولقد برهنت مسايرته الطالب في المناقشة متتبعاً الرسالة صفحة صفحة على أنه (قتلها بحثاً) ولو كنت ذا إمْرَة لأذنت لعضو اليسار بأن يكون البادئ في المناقشة؛ فهو عادة أحدث المحكمين سناً، وأنَّ سّبْقه بغيره يفوت عليه كثيراً من نقده.
ولو أن الدكتور عثمان التزم اللغة العربية الفصحى في مناقشة لكان لحواره شأن آخر. وليت شعري لماذا كانت تبدو عليه إمارات الغضب والتألم وهو يعد المآخذ على الرسالة؟ إن كان المصنف قد أسرف في الاقتباس إسرافاً حوّل الرسالة إلى (ملخص) مدرسي، فكيف أذنت له الكلية في طبعها؟ كيف أذنت في أن يحمل أسمها كتاب ليس لواضعه فيه إلا الجمع والتوقيع؟