أشرت في المقابلة السابقة إلى التجارب التي أجراها مونستربرْج لاختيار سائقي الترام والسيارات وعاملات التليفون وإلى المقاييس التي وضعها لمعرفة الأفراد الصالحين للمهن المختلفة. وأنه لمن الأنصاف التاريخي ألا نترك موضوع (اللياقة المهنية) من غير أن نذكر كلمة عن الدكتور فرانك يارسونز أحد موظفي (إدارة الخدمة الاجتماعية) في بوستن بأمريكا.
كان ذلك في سنة ١٩٠٨ حينما جمع الدكتور بارسونز التلاميذ الذين أتموا التعليم الأولى في الحي الذي يقطنه والأحياء المجاورة، وكانت الغاية من هذا الاجتماع أن يبحث مع هؤلاء المراهقين أمر مستقبلهم، ونوع المهن التي يريدون احترافها، ولِمَ يؤثرون مهنة غيرها، وما هي الصفات الشخصية والكفايات الفردية التي يتقدم بها كل منهم للمهنة التي يختارها. وما كان اشد عجبه حين ظهر له أن هؤلاء المراهقين لم يعرفوا شيئاً عن الحياة العملية التي يواجهونها، ولا السبب في تفضيل نوع من العمل على غيره، وما الذي تتطلبه كل مهنة من المؤهلات الجسمية والمقدرة العقلية والخلقية. ولقد استطاع بارسونز أن يسدي لهم نصائح فردية، وأن يوجه كلاً منهم إلى الناحية التي تتفق ومواهبه الشخصية ومعلوماته. وكان هذا الاجتماع التاريخي النواة الأولى لتكوين (مكتب الإرشاد المهني) الذي افتتح في نفس العام. وقد أسرع إلى هذا المكتب البنون والبنات بعد إتمام الدراسة الأولية للاستشارة، ومعرفة أنسب الحرف لهم ولهن. ولقد كان الدكتور بارسونز موهوباً القدرة على معرفة خواص الأفراد، ومزاياهم العقلية والخلقية والجسمية، واختار ما يناسب كل فرد من عمل. ولذلك صادف مشروعه هذا نجاحاً وإقبالاً
لم تكن نصائح بارسونز مبنية على اختبارات ومقاييس علمية ولكنها كانت نتيجة لفكرة يكونها عن طالب التوظف بعد سؤاله عدة أسئلة عن ماضيه وحاضره واستعداده ونوع دراسته وآماله
وقد شعر بارسونز بنقص طريقته هذه فوضع نظاماً أحكم ذا ثلاثة عناصر أساسية: العنصر الأول درس كل مهنة من المهن الممكنة ومعرفة نوع العمل فيها، وظروف هذه المهنة