في الواقع يصعب تحديد معنى الكلمة (تاريخ)، بل فهمها على الوجه الصحيح، فليس هناك تعريف نهائي مطلق، لسبب واحد فقط: وهو أن مجرد إدراك التاريخ على حقيقته جزء من التاريخ؛ لذا كان التعريف خاضعاً لقانون التطور، ومن هنا كان لكل عصر، بل لكل أمة تعريف خاص، أطلق على ضوء فلسفة العصر وأهداف الأمة ومثلها العليا.
وليست مهمة المدرس في ابتداع تعريف جديد، أو حتى التسليم بتعاريف أخرى - إن كان للتعاريف أهمية في المراحل الأولى من التعليم - ما لم يحللها ويتفهمها ويقتنع بما فيما بينه وبين نفسه أولاً؛ غير أن الأجدر به أن يوجه همته ونشاطه نحو تفسير ما غمض في حياتنا المعاصرة، وذلك على ضوء التاريخ، فالاتجاه الحديث في تعليم التاريخ يقتضي هذا النهج لأمرين:
١ - إن الحاضر هو منبع الأسئلة ومثير الاستفهامات ومحك التفكير، بل هو مغر كلُّ الأغراء للأطفال فضلاً عن الكبار، وهو معقد كلُّ القعيد.
٢ - هنالك ماض لا يزال حياً في حاضرنا ما يؤثر فيه ولم تنقطع صلته به، كمظاهر الحضارة والتقاليد وغيرها، ويعتبر الحاضر امتداداً له.
لهذا كان الحاضر متشعب النواحي مختلف الاتجاهات، وهي سنة كلُّ مجتمع في بنائه وقيامه على الاختلاف لا على التشابه، ولفهمه على أصوله لابد من التاريخ، ولدي الأطفال استعداد فطري تاريخي. هذا يوضح أن من الممكن فهم التاريخ على حقيقته؛ يقول الدكتور (قد يجعلنا التاريخ متفرجين على الحاضر وما هذا الوجود المعاصر إلا حلقة من حلقات ماضينا التاريخي، فالتاريخ إذن هو إدراك النفس الشاعرة لكنهها في مظهرها الحديث)؛ وما الإنسان المعاصر نفسه إلا إحدى مظاهر أو نتيجة ذلك الماضي البعيد: وحينما يستطيع الإنسان تفسير حياته بالتاريخ، أمكننا أن نقول: إن الإحساس التاريخي قد تكون لديه ونما فيه.
وإذا نحن تصورنا التاريخ على أنه مادة أو كتلة من المعلومات كنا مخطئين، فما هذا