للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الاعتبار، بمعنى آخر، ما تقسيم المعرفة الإنسانية إلى موارد إلا تقسيماً مصطنعاً لا مقابل له في عالم الحقيقة والواقع، إذن علينا التحلل من هذا الاعتبار إلى حد كبير، بل من دكتاتورية الكتاب المقرر، فليس هو الفيصل في معرفة التاريخ أو آخر معروفة له؛ وربما - إن كان صالحاً - اعتبر مجرد مقدمة وتمهيد لدراسة التاريخ على حقيقة.

قد يميل إلى اعتبار التاريخ رواية تمثيلية، منقطعة كلُّ الانقطاع عن حياتنا الحاضرة، بدعوى أنه يمت إلى عالم آخر غير عالمنا. هو عالم الأموات، وقد مات بموتهم، فلا أهمية حقيقية في النبش عن أحوالهم، ولا بأس من إيراد دعوى من هذاالقبيل قال بها أحد علماء العصور الوسطى بصدد حديثه عن المؤرخين: (وهم على شفا جرف هار، لأنهم يتسلطون على أعراض الناس) ويشترط بعد ذلك شروطاً في المؤرخ لا محل لها هنا، والزعم بأنه قد مات بموتهم والحديث فيهم أو عنهم إنما من باب القصص ليس لا يتمشى مع المنطق ولا الحقيقة، تلك الحقيقة التي تطالعنا كلُّ يوم في كلُّ من مظاهر حياتنا المعاصرة: في المباني، في الزي، في المواصلات، في التقدم، في القنبلة الذرية في غيرها. . .؛ كلُّ هذا إنتاج تسلسل طويل، وكل مرحلة لا بد له من بداية، وما دامت الحياة كائنة، فلم تدن النهاية بعد؛ هذا يوضح لنا ارتباط الماضي بالحاضر ووجوده فيه وامتداد هذا كله إلى المستقبل. وربما أراد البعض بالتاريخ في هذا المعنى الروائي أو الدرامي، أننا متفرجون، وهذا خطأ إن وقف المعلم والتلميذ موقف المتفرج، فالمهمة الحقيقية للعلم: إلى أي حد يشعر التلميذ أنه ممثل وليس متفرجاً؟! كثير من الشخصيات تبدو في مخيلته، قد لا تختلف عنه إلا في الشكل أو العرض لا الجوهر؛ فأي نصيب أو سهم يكون له فيما يقومون به؟ فيم يختلفون عنه كما قال قيصر أو الثورة الفرنسية؟؟ إنه يترك مسرح درس التاريخ، وتغرب شخصيات الرواية عن خاطره، ومن ثم يتجه في طريق، بينما اتجهت الدراما الإنسانية العامة إلى نحو آخر.

وقد غالى دعاة هذه الناحية إلى حد تفضيل بعض الروايات المشهورة على التاريخ ودراسته من حيث الأثر وما تتركه في النفس ومثلوا بروايات (شكسبير) نحو: والرد واضح، فإذا اعتقد المشاهد أو الدارس، أن ما يرى أو ما يقرأ أو يسمع قد وقع فعلاً وشمل أناساً مثله لا يختلفون عنه كثيراً ربما كان هذا أبعد في تأثيره وأعمق في إيحائه ويسوي في هذا الكبار

<<  <  ج:
ص:  >  >>