للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والمدرسة]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

(هل كانت علومك المدرسية ذات أثر فعال في إظهار مواهبك الأدبية؟)

سؤال انتقل به صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم إلى (برجه العاجي) من مجلة أدبية فرنسية ألقته على طائفة من أدباء بلادها فكان جواب أحدهم: (يخيل إلى أن الغباء وفقر الذهن وبلادة الشعور وضعف التصور وانعدام الخيال مواد مقررة رسمياً في المناهج المدرسية)

ويقول الصديق فيما عقب على هذا الجواب (ولو سئلت لما خرجت إجابتي عن هذا المعنى)

وكنا نتحدث في هذا قبل أن أقرأه في البرج العاجي من الرسالة، قصصت على الصديق بعض ما أذكر من عهد المدرسة ووصفت له أساتذتي في اللغتين العربية والإنجليزية وتوخيت الإنصاف وتحريت الحق، فسألني إن أكتب هذا وأنشره، فوعدت أن أفعل. وقد بدأت أكتب وفي نيتي أن أبر بالوعد، ولكني بعد أن بلغت هذا الموضع أراني أميل إلى الإخلاف فما أحب أن أسيء إلى أحد بلا موجب وبغير حق، أو أن أرمى بالجحود والكفران.

وأكبر الظن أن الذين علموني نسوا - أو هم لا يدرون - أني كنت من تلاميذهم؛ فلو قلت فيهم ما قال مالك في الخمر ما عرفوا أنهم هم المعنيون؛ ولو أثنيتُ عليهم لتعجبوا وراحوا يتساءلون (ترى من كانوا معلميه؟) ولعل أكثرهم قد عاد إلى التراب الذي جبل منه ولكني مع ذلك لا أراني أقدر أن أضعهم في الميزان إلا إذا وضعت نفسي معهم

أنا أيضاً كنت تلميذاً ثم مدرساً لسوء الحظ. وكانت ميزتي المحتمة في أيام التلمذة (الغباء وفقر الذهن وضعف التصور) يضاف إليها الفقر. وكان يبلغ من فاقتي في ذلك الزمان أن كنت أحتاج إلى القميص الأبيض لألبسه مع البذلة فلا نجد ثمنه، فتعمد أمي المسكينة إلى ما خلف أبي من قمصان فتصلحها فتضيق من هنا وتقصر من هناك، ولكن الياقة أو البنيقة كانت تعييها فتلبسنيها كما هي؛ ولو جعلت لي منها حزاماً لكان هذا أصلح. فتصور هذا الطوق العظيم على عنقي. وكنت إذ أمشي بها لا أدري ماذا أصنع وكيف أبلغ المدرسة، لأني كنت أحتاج إلى كلتا يدي لأهوى بجانبي الطوق عن أذني، ولكني محتاج أيضاً إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>