كنت كلما أقبل أبريل بالربيع تلقيته وفي نفسي بهجة الطفل وفي عيني وضاءة الجنة، وفي قلبي صبوة العاشق، وفي حسي نشوة الشاعر، وعلى لساني أغرودة ا. لبلبل. ثم أجدني بعد همود الشتاء وعبوسه قد تجاوبت مع الطبيعة، فأنفر مع الغصن، وأنفتح مع الزهر، وأنطلق مع النسيم، وأمرح مع الطير، وأزدان مع الروض، وأقضي أواخر النهار على ضفاف النيل، وأوائل الليل في ملاهي القاهرة فأجد لكل شيء جمالاً، وفي كل عمل لذة وعلى كل منظر فتنة!
أما اليوم فأنه يقبل به على فلا ألقاه، وإذا لقيته لا أراه! ذلك لآن ستاراً من ظلام النفس يفصل بين عيني ونوره وحجاباً من كآبة العيش يحول بين قلبي وسروره!
فأنا أمشي في شارع فؤاد - أن مشيت - فأرى حياة الربيع من حولي تتدفق باللهو، وتتألق بالجمال، وتتأنق بالزينة، وتتأنق بالزينة، وأنا محمول على عبابها المضطرب ذاهل الوعي بارد الحس خامد الحركة، كأنني جثة قتيل على سطح نهر، تمور الامواء تحتها بالحياة، وتزدهي الشطئان حولها بالنضارة، وهى تجرى إلى مصيرها المجهول لا تتصل بالكون ولا تشعر بالوجود!
وأنا أغشى مسرح اللهو - إن غشيت - فأرى الوجوه تهش، والثغور تبسم والعيون تقول والقلوب تصغي وأنا جالس إلى المنضدة الرخامية لاأجد بيني وبينها فرقاً في الجمود والبرود! فمثلي كمثل الآصم الأصلخ في المرقص الصاخب: يرى أفواها تنفخ في مزامير، وعصياً تضرب علي طبول، وأجساداً تلتصق بأجساد، وشفاهاً تنفرج عن ثغور، ثم لا يسمع أنغام العازفين فيطرب، ولا يدرى كلام الرقصين فينتعش!
لقد خبت وقدة القلب وعادت جمراته رماداً!
أذلك لتقدم السن، أم ذلك لتأخرالصحة؟ لاياصديقي! لا تقدم السن يؤخر الربيع، ولا تأخر الصحة يقدم الخريف مادامت فيك حياة ففيك حياة ففيك شعور، والشعور إن يبلد يدرك الحس في جمال الطبيعة؛ وإن يرهف يدرك الروح في حس الجمال، إنما هي الحياة العفنة التي تحياها اليوم في مصر! مستنقع من الماء الآسن، تنعقد عليه أبخرة خانقة، وتسطح منه روائح خبيثة وتطن
فوقه حشرات سامة. فإذا لم يؤتك الّله المشاعر السحرية التي تجعل الظلام نوراً، والبخار