للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[محاكمات]

للدكتور جواد علي

كان امتحان (الحجاج بن يوسف الثقفي) لأهل العراق في إيمانهم أشد وقعاً عليهم من السيف الذي سلط عليهم في معركة (دير الجماجم) والمعارك التي تلتها.

دخل الحجاج الكوفة بعد انتصاره على ابن الأشعث فعقد مجلساً عظيما لامتحان الناس ولإذلال أهل الكوفة. فجلس هو في الصدر وأجلس (مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي) إلى جنبه وكان خطيباً جهوري الصوت. وقد قال له:

إشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده، ومن علمت منه عيباً فعبه بما فيه وصغر إليه نفسه.

وقد أدى هذا الخطيب الشتام عمله على خير ما يكون. فجاء بأقبح الشتائموأخرج آخر ما عرف من إحداث في هذا الفن. فكان الشخص يعرض عليه وبعد أن ينال نصيبه من الشتم على وجه يرضى الحجاج، يتعرض إلى مقالة الوالي وتقريعه، وبعد أن يشبع (الثقفي) نفسه يطلب منه التوبة والإقرار بالكفر بخروجه عليه ونقضه البيعة لأمير المؤمنين وإلا فالقتل.

وكان حرّاس الحجاجيقدمون الناس إليه واحداً واحداً، وكل رجل ونصيبه. فإما الإهانة والذل والإقرار بالكفر، وإما الفصل بين الرأس والجسد دون كلام ولا مناقشة. هذا رجل من خثعم قد جاوز الثمانين وقد كان معتزلا للناس جميعاً فيما وراء الفرات جاء به الحظ إلى الحجاج فيسأله الحجاج عن حاله فيجيب:

ما زلت معتزلا وراء هذه المنطقة منتظراً أمر الناس حتى ظهرت فأتيت لأبايعك مع الناس.

الحجاج: أمتربص؟ أتشهد أنك كافر؟.

الرجل: بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر!.

الحجاج: إذاً أقتلك.

الخثعمي. وإن قتلتني فو الله ما بقي من عمري إلا ظمئ حمار وإني لأنتظر الموت صباح مساء.

الحجاج أضربوا عنقه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>