[قطربل]
الأستاذ شكري محمود أحمد
قرية بين بغداد وعكبرا، تنسب إليها الخمور وتكثر فيها المعاصر والحانات لكثرة ما فيها من الكروم. لذلك أمها المجان، وطلب أهل الفتك، وتطرح فيها الخلعاء، حتى فتنوا بغلمانها، وشغفوا بظبائها، فكثر ذكرها في شعرهم، ودار اسمها في قصصهم.
كانت في أنزه موضع وأجمل موقع، تركب كاهل دجلة، وتحاذي الصراة الذي يفصل بينها وبين بادوريا، هي في غربة وبادوريا في شرقه.
جمالها الضاحك الطروب جذب قلوب الشعراء فمالوا إليها، واحتفظت بالمجان حتى عكفوا يرتضعون در الكأس، وينزفون النفس في صبوح ضاحك، وغبوق دافق بالمتع واللذاذة، فطوراً هم بدجلة يصطبحون، وطوراً بالصراة يغتبقون.
ولقطربل أخبار، وفيها أشعار - كما يقول ياقوت - في وسعه أن يجمع كتاباً في أجلاد يسجل أخبار الخلعاء والمجان والشعراء والبطالين والمتفجرين في هذه المدينة.
تشوق إليها إبراهيم المدبر، وطرب لذكراها قائلاً:
طريت إلى قطربل وبلشكر ... وراجعت عما لست عنه بمقصر
وحن لها البحتري فاهتز لمنظرها وقد بدت له مع الشروق، فقال في مدح ابن المدبر:
وقد ساءني أن لم يهج من صبابتي ... سنا البرق في جنح من الليل أخفر
وأني بهجر للمدام وقد بدا ... لي الصبح من قطربل وبلشكر
ووصفها الببغاء الشاعر، ذاكراً مواطن الغزل والصبابة، ومنازل اللهو والبطالة، ومعاهد الأنس واللذة، فقال يذكرها ويذكر كلواذي، هي شمال بغداد، وكلواذى في جنوبها:
كم للصبابة والصبى من منزل ... ما بين كلواذى إلى قطربل
راضعتُ فيه الكأس أهيف ينثني ... نحوي بجيد رشاً وعيني مُغْزل
ذكرها جحظة البرمكي، وما فيها من الخمور التي تعطر في كل حين بقوله:
قد أسرفت في العذل مشغولة ... بعذل مشغول عن العذَّل
تقول هل أقصرت عن باطل ... أعرفه عن دينك الأول
فقلت: ما احسبني مقصراً ... ما أعصرت خمر بقطربل