اشتد خصوم الإسلام عليه في إقراره الحرب، ذاهبين إلى أن الدين الذي يشرع لتطهير قلب الإنسان من الميول العدوانية، وتخليص نفسيته من آثار الحيوانية والوحشية، لا يجوز له أن يقر مبدأ التناحر في العالم الإنساني؛ فإن كان ولا بد فدفاعاً عن النفس، أو ذيادا عن الحوزة؛ أما الهجوم على الآمنين في ديارهم للتبسط في الأرض، والتوسع في وسائل الثروة، فإن رآه طلاب الدنيا سائغاً، فلا يصح أن يعده دعاة السمو الخلقي من محاولات الصالحين
كثرت هذه الشبهة في رؤوس خصوم الإسلام، ورأوا فيها مثاراً خصباً للتشهير به، ونبزه بالألقاب، حتى تأثر بعض المدافعين عنه، فأخذوا يحاولون أن يثبتوا أن كل ما ورد فيه خاصا بالحرب، فالمراد منه الدفاع لا الهجوم، وغاب عنهم أنهم بعملهم هذا يضرون بقضية الإسلام، ويسجلون عليه الشبهة أصرح تسجيل
الحق أن الإسلام أقر الحرب دفاعاً وهجوماً، لأن مهمته التي شرع من أجلها لا تتم إلا على هذا الوجه؛ فليس الإسلام بدين خاص شرع لجماعة من الناس في بيئة محدودة من الأرض كما كانت عليه حال جميع الأديان التي شرعت للأمم قبله، ولكنه شرع ليكون دينا عاما للأمم كافة، فهو بحكم الغاية التي أنزل من أجلها يجب أن يماشي ما فطرت عليه الطبيعة البشرية، في كل ما تدفعها إليه الغرائز النفسية، من الحركات الاجتماعية؛ وقد اندفعت الجماعات في التناحر لا لمجرد توفيه أغراضها المادية، ولكن لحاجتها الأدبية أيضاً، فلولا الحروب التي ثارت بين الجماعات، لتعطل تقدمها في طريق العمران والمدنية كما نبه إليه علم الاجتماع نفسه، ودورة الحياة الإنسانية العامة تجعل الحرب من ضروريات التطور أيضاً، فإن تلاشي الجامدين وعديمي الصلاحية للحياة، وضرورة نبوغ الأصلح فالأصلح للبقاء، لا يمكن أن يتم في بيئات يسودها السكون المطلق. هذه أمور يدركها أولو العلم إدراكهم للبدهيات، وهذا لا يمنع أن يجيء عهد تصبح فيه الحرب شراً مستطيراً بسبب زوال الموجبات الطبيعية لها، ونشوء عوامل أدبية تقوم مقامها في تطوير الجماعات دون