للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تضطرها إليه بواسطة الحركات العنيفة؛ يجوز أن يكون قد أظلنا الآن ذلك الزمان، فيقرر البشر بعد هذه الحرب المستمرة حذف هذه الوسيلة الجائحة، فينعم الناس بسلام يناسب ما وصلوا إليه من علم ومدنية، وقد أشار الإسلام إلى إمكان حدوث هذا العهد، فجاء في كتابه: (وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله)

ولكن إلى العهد الذي شرع فيه الإسلام وما بعده إلى أكثر من أثني عشر قرناً، لم تكن فكرة السلام العالمي قد نشأت، وقد رأينا الأديان التي جاءت ناهية عن الحرب كالبوذية والنصرانية قد اضطرت إليها، وتوسلت بها، وهذه الديانة الأخيرة لم تستطع أن تستقر كدين إلا بواسطة حروب شنتها، حتى اضطرت البابوية إلى اتخاذ الجيوش البرية والبحرية، وإلى الاشتراك في الحروب دفاعاً وهجوماً على حد سوا

فكيف يراد من الإسلام وقد شرع دينا عالمياً، أن يتجرد منها، وهو مضطر بحكم مهمته أن يسيطر على الغرائز الجبلية، ويهيمن على الميول النفسية، محاولاً التأثير فيها بالتعديل والتقويم، دون أن يعرقل ناموس التطور الذي يعمل إلى إيصالها لغاياتها البعيدة من السمو الذي قدر لها أن تبلغه بجهودها الذاتية

إن الصفة المميزة للإسلام أنه دين يماشي الطبيعة ويعدلها، ولا يلاشي عاطفة منها؛ ولو كان غير ذلك لما صلح أن يكون ديناً عاماً للبشرية بأسرها، ولا يكون محترم الأصول، مراعي التعاليم، لا عذر للمتخلف عنه، أو للخارج عليه

أفكنت تريد أن ينشأ الإسلام ناهياً عن الحرب فلا يتم له قيام أصلاً، بدليل لجوء جميع الأديان إلى الحرب بعد أن أعيتها الحيل في القيام بدونها؟ أم كنت تريد أن يحرمها على أتباعه، ثم متى اضطرتهم الحياة لجئوا إليها، غير آبهين لنهيه عنها، كما حدث ذلك لأهل الأديان التي كانت قبله؟

لا هذا ولا ذاك، فالإسلام دين صراحة ومنطق، يعطي كل حالة من حالات الإنسان حقها من التقدير والرعاية، ويبني حكمه فيها على مصلحتي المادة والروح معاً

فالحرب إن كانت شراً فهي من الشرور الضرورية ولو في أوائل الأدوار البشرية، وإغفالها أو تركها بلا ضوابط قد يفضي بالآخذين به إلى الإفراط أو التفريط فيها، وقد يكون في ذلك القضاء عليهم، فجعلها الإسلام لهذا السبب من أهم ما عني به، وختم كل آية

<<  <  ج:
ص:  >  >>