كم بين ملايين الجنود الذين التهمتهم الحرب العالمية الماضية من اختفت آثارهم فلا صليب يدل على رفاتهم ولا دمعة تذرف على تربتهم. أولئك هم الجنود المجهولون الذين تركوا أهلهم وأحباءهم وبذلوا دماءَهم من أجل أوطانهم فإذا هم بعد حين شيءٌ ضائع فلا ذووهم يعرفون مثواهم ولا وطنهم يعلم مصيرهم
على أن ذلك الجندي المجهول الذي فرض عليه الواجب الوطني التضحية فقضى غير مذكور قد لقي بعد موته تكريماً لتضحيته لم ينله الأبطال واحتراماً لذكراه لم يظفر به الشهداء. رفعت له الأنصاب التذكارية الضخمة، وأقيمت له الأضرحة الرمزية البديعة فأصبحت مزاراً رسمياً يتوارد إليه الناس ليذكروا البطل المنسي ويؤمهُ الملوك وأصحاب الشأن ليمجدوا التضحية
ومن هو الجندي المجهول؟
(هو ابن كل الأمهات اللواتي فقدنَ أبناءهن ولا يعرفنَ مثواهم)
هذا هو تعريف (الجندي المجهول) الذي اصطلحوا عليه بعد الحرب. أما الفكرة فمبعثها فرنسا، وهي اليوم أنصابٌ وأضرحة ترمز إلى التضحية الصامتة وتمثل الشرف الوطني
في سنة ١٩٢٠ أصدرت حكومة الوزير جورج ليغ القرار التالي:
مادة أولى - يتناول شرف (البانثيون) رفات أحد الجنود المجهولي الهوية الذين ماتوا في ساحة الشرف في خلال ١٩١٤ - ١٩١٨
مادة ثانية - يُدفن رفات (الجندي المجهول) تحت قوس النصر
وتم تنفيذ ذلك القرار باحتفال رائع حضرته هيأة الحكومة وقواد الحرب وقد كتب على الضريح العبارة التالية:
(هنا يرقد جندي فرنسي مات من أجل الوطن ١٩١٤ - ١٩١٨)
واقتفت الدول الأخرى التي اشتركت في تلك الحرب أثر فرنسا، ففي بلجيكا ضريحان أحدهما للجندي المجهول الفرنسي والآخر للجندي المجهول البلجيكي وكتب على الأول: