أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
للأستاذ محمود الخفيف
وسئل رئيس الوزراء عن وجهة نظره في دعوة المجلس دون الرجوع إلى الخديو، فكان جوابه أن الخديو قد نشأ الخلاف بينه وبين وزرائه بحيث لا يمكن الاتفاق بينه وبينهم، ولذلك فقد دعي المجلس دون مراعاة سلطته في هذا، ثم قال:(إن شكوانا من سموه هي أنه سلك مسلكاً يقضي على استقلال مصر وكثيراً ما فعل ذلك دون مشاورة وزرائه)
والحق أن توفيقاً كان يود التخلص من هذه الوزارة بأي ثمن وفيها البارودي الطامع في عرشه، وعرابي زعيم الحركة القومية الذي يسير بطبيعة حركته في طريق تعتبر عند الخديو طريق الضلال والعصيان وتعد كل خطوة فيها ثورة وتكبر، وأي شيء آلم في نفسه من أن يرى فلاحاً من أبناء هؤلاء الذين ما خلقوا إلا للفأس والطاعة العمياء يتربع في كرسي الوزارة ويتكلم إذ يتكلم باسم الأمة ويقبل ما يقبل أو يرفض ما يرفض باسم الأمة؟
ولقد عاب كثير من الناس على البارودي وعرابي مسلكهما تجاه الخديو في تلك الأزمة، وحجتهم أن الواجب كان يقضي على البارودي أن يترك الحكم ما دام قد استحكم الخلاف بينه وبين الخديو، ولقد يبدو هذا الكلام وجيهاً لمن ينظرون في النتائج دون تمحيص المقدمات، أما الذين لا يصدرون حكماً إلا عن تقص وفهم فلا يذهبون مذهب هؤلاء، ولا يقيسون قياسهم
وليست المسألة دقيقة على الأفهام حتى تتشعب فيها وجوه الرأي، فحسب هؤلاء العائبين على الوزارة مسلكها أن يذكروا أن الخديو كان يعمل بوحي من الإنجليز وعلى ذلك فلإجابته إلى مبتغاه لن تكون إلا تسليماً لأعداد البلاد، الأمر الذي لن يقبله وطني؛ ولو أن الأمر كان خلافاً بين الخديو ووزرائه، وكان الخديو يريد وجه الوطن لكان من السهل جداً أن يحتكم إلى الأمة ممثلة في مجلسها النيابي ويجعل له، عن طيب خاطر، القول الفصل