للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النفس وخلودها عند ابن سينا]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة بكلية الآداب

- ٢ -

يدرس أبن سينا النفس من نواح كثيرة، فيحاول أولاً أن يثبت وجودها ومغايرتها للبدن، ثم ينتقل بعد هذا إلى حقيقتها فيعرض لجوهريتها وروحيتها ويبرهن على خلودها ببراهين شتى ووسائل متعددة. ولن تفهم حقيقة النفس فهما كاملا إلا إذا حددت وظائفها وبين في دقة عملها. وابن سينا يتحدث طويلا عن أنواعها المختلفة من نباتية وحيوانية وإنسانية، ويسهب بوجه خاص في حديثه عن قوى النفس الإنسانية الظاهرة والباطنة، وهذا الجزء يلخص تقريباً علم النفس عنده. وواضح أن مشكلة العقل التي تعد أحد الأحجار الأساسية في بناء الفلسفة الإسلامية والتي شغلت فلاسفة القرون الوسطى على العموم، تتصل اتصالا وثيقاً بقوى النفس الباطنة، وسنتبع هنا الخطوات السابقة لندلي بفكرة كاملة عن أبحاث ابن سينا في النفس، ولكنا سنجمل القول في أقسامه وتفصيلاته الكثيرة المتصلة بأنواعها وقواها لأن هذا في أغلبه أصبح من علم النفس البائد، وسنكتفي بأن نشير منه إلى مصادره اليونانية. وأما مشكلة العقل فهي من الأهمية بحيث لا تدرس عرضاً وفي ثنايا بحث كهذا، ولابد من دراسة مستقلة سبق لنا أن حاولناها في كتابنا عن الفارابي

لم يعن مفكرو اليونان كثيراً بالبرهنة على وجود النفس، وكأنهم كانوا يعدون وجودها واضحا بحيث لا يتطلب الإثبات، ومسلماً به إلى درجة لا تقبل الشك أو المناقشة. فالماديون منهم والروحيون متفقون على وجود النفس، وخلافهم فقط في بيان ماهيتها وتحديد وظائفها. وأطباؤهم وفلاسفتهم مجمعون على أن للظواهر النفسية مصدراً وأصلا تعتمد عليه بجانب الجسم. وعلى هذا يمكننا أن نقول إن المادية المتطرفة التي ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي تنكر وجود النفس بتاتاً غير معروفة لديهم. ذلك لأن هذه المادية اثر من آثار الطب وعلم وظائف الأعضاء الحديثين، وكل همها أن تفسر الأحوال العقلية جميعها تفسيراً واقعياً تجريبياً، وفي اعتقاد أنصارها أن المخ والجهاز

<<  <  ج:
ص:  >  >>