للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضايا الكبرى في الإسلام]

قذف عائشة

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

- ٨ -

سأتناول بحث حديث الإفك المشهور من ناحيته القضائية، وسأعني في ذلك بتحقيق أمور فيه لم يتناولها الذين بحثوه من ناحيته التاريخية ليكون بحثاً قضائياً ينسجم والبحوث القضائية التي تدخل في موضوعنا، ويتفق في ذلك مسلكه ومسلكها، ويندرج به في مسائل القضاء لا في مسائل التاريخ

وكان حديث الإفك في السنة الخامسة من الهجرة، وقد جرى بعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المُصْطَلَق، فلما دنوا من المدينة قافلين من تلك الغزوة أُذِّنَ ليلة بالرحيل، فقامت عائشة رضي الله عنها لقضاء حاجتها حنى جاوزت الجيش، فلما قضت شأنها أقبلت إلى رحلها، فلمست صدرها فإذا عِقْدٌ لها من جَزْعِ ظَفَارِ قد انقطع، فرجعت تلتمسه في المحل الذي قضت فيه حاجتها، وقد حبسها التماسه حتى أقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لها، فاحتملوا هودجها على بعيرها وهم يحسبون أنها فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لقلة أكلهن، لأن السِّمَنَ وكثرة اللحم تنشأ غالباً عن كثرة الأكل

وقد رجعت عائشة بعد أن وجدت عقدها إلى محل الجيش فوجدتهم قد ارتحلوا، فجلست في مكانها الذي كانت فيه، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون إليها، فبينما هي جالسة في مكانها غلبتها عينها فنامت، وكان صفوان بن المُعَطَّل رضي الله عنه من عادته أن يسير وراء الجيش، يفتقد ضائعه، ويرد ما يجده من ذلك إلى صاحبه، وقيل إنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتجل الناس، فلما وصل إلى عائشة عرفها لأنه كان رآها قبل الحجاب، فاسترجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فاستيقظت عائشة باسترجاعه وسترت وجهها بجلبابها، فأناخ راحلته وأركبها من غير أن يتكلما بكلمة، ثم انطلق يقود بها الراحلة حتى وصل الجيش وهو نازل للراحلة.

وكان عبد الله بن أُبيِّ بن سَلولٍ رئيس المنافقين نازلا مع جماعته مبتعدين عن الناس، فلما

<<  <  ج:
ص:  >  >>