أحببتها حتى غلب علي فيها الذهول، ولماذا أحببتها؟ أغريب شأني إذا لم تر عيناي إلا كائنا واحدا، ولم تحمل نفسي إلا فكرة واحدة، ولم ينطوي قلبي إلا على أمنية واحدة، ولم يتسع فمي إلا لاسم واحد؟ ذلك الاسم الذي يصعد من فمي تكرارا. من أعماق روحي مرارا، كأنه ينبوع متفجر. أقوله وأعيد فيه القول ثانية وثالثة كأنه صلاة اذكرها وارددها.
لن أقص عليكم ما غشيني في هذا الحب، ومتى كان للحب حكايات متعددة، ورواياته في كل زمان ومكان واحدة. قد رايتها واحببتها، وهذا كل ما في روايتي.
قضيت زمنا - ويا حبذا ذلك الزمن - يغمرني عطفها، وتحوطني بذراعيها، وتشبعني نظراتها، ورداؤها وكلماتها. بل فنيت فيها حتى غلب علي الذهول فأصبحت لا ادري: أذلك الليل أو النهار يحيط بي؟ وأنا في قيد الحياة أو في سجل الأموات؟ وهل أنا على أرض غير الأرض؟
والآن ماتت، فكيف سطا عليها الموت؟ لا ادري. . لا اعلم، دخلت علي أمسية ليلة من ليالي الشتاء مبللة الأثواب فنامت، فتيقضت وهي ترسل السعال ملحة فلزمت سريرها مضطرة.
وبعد ذلك لا اعلم.
الأطباء حشدناهم من كل صوب. فكانوا يقدمون ويكتبون ويذهبون. والعلاجات تنهال عليها وإزاءها امرأة ترعاها. يدها حارة الملمس. وجبينها متوقد. ونضرتها ساطعة، لكنها كئيبة.
أكلمها فتخاطبني، ولكن ماذا قلنا؟ لا أعلم. . قد نسيت كل شيء. . كل شيء. إنها قضت ولا أزال اذكر تنهدتها الخفيفة وأنتها الضعيفة.