للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمحت كاهنا يخاطبني بهذه الكلمة: أمعشوقتك؟ فخيل الي انه ينال منها، - وهو بعد موتها - يجب عليه ألا يعرف شيئا من هذا فنفيته من دارها وطلبت غيره، فخف إلى كاهن طيب السريرة.

رقيق النفس، حدثني عنها فغلب علي البكاء.

أمسيت لا أعرف شيئا، ولكني اذكر الأكفان والناووس الذي ووريت فيه إلى الأبد.

نزلت في التراب، وجاء معها بعض صواحبها، وأخيرا انطلقت وطفت في السبل شاردا، وعدت أدراجي، وفي الغد الباكر حملت نفسي على الرحيل

وبالأمس دخلت باريس. . .

ومذ وقع ناظري على غرفتي. . غرفتنا وسريرنا ومتاعنا. وكل ما يخلفه الميت وراءه، شعرت بان أنفاسي تضيق، وبان كآبة تتمدد في إحناء نفسي فتزيد صدري حرجا. وتبعثني على إلقاء نفسي من النافذة. . . لم استطع البقاء طويلا في هذه الغرفة التي تتراءى لي فيها محبوبتي، فاسرعت عازما على الخروج فوقع ناظري على تلك المرآة المصقولة التي كانت تقف إزاءها ناضرة إلى وجهها وجسدها كل يوم، تتقن زينتها تجاه هذه المرآة التي كان رسمها ينعكس فيها، ولا يزال يتراءى على صفحتها فأدركتني رعشة عميقة، وعيني خلال ذلك لا تبرح المرآة العميقة الفارغة التي احتوتها - قبل اليوم - فخيل إلي أنني احب هذه المرآة فلمستها فإذا هي باردة. . .

ولكن الذكرى، الذكرى!! المرآة الملتهبة المعذبة.

إلا انهم سعداء، من تشبه قلوبهم هذه المرآة ترتسم عليها الضلال ثم تمحى. وتنسى كل ما ارتسم عليها وارتسم فيها.

برحت مكاني وأنا غير مختار. ولا اعلم أية وجهة اسلك!؟ فدخلت المقبرة فألفيت ضريحها المنفرد يشرف عليه صليب رخامي نقش تحته

(إنها أحبت وكانت محبوبة ثم ماتت. . .)

إنها تحت هذا الضريح قد عبث فيها الفساد! مكثت هنالك طويلا خاشع الرأس حتى واتى المساء، ولكن خطرة غريبة صعدت من نفسي هي خطرة عاشق يائس تحدثني وترغمني على قضاء الليل بجانبها ذاكراً باكياً، ولكن الناس سينظرون إلي وسيطردوني فما عسى

<<  <  ج:
ص:  >  >>