بقي أن نقارن بين طريقة العلم في دراسة الفطرة والطريقة التي شرعها الإسلام للإنسان في النظر لنرى إن كان بينهما من التطابق مثل الذي تبين في المقال السابق أنه موجود بين العلم والإسلام
والأصل الأول عند العلم في النظر هو العقل، وكذلك هو في الإسلام. إن القرآن الكريم كله ينطق بأن الإسلام قام على العقل، وحاكم إلى العقل، وأمر باتباع العقل، بمختلف أساليب البيان؛ فتارة يتلطف ويرغب في استعمال العقل والفكر:(كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون)، (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون). وتارة يظهر التعجب الشديد والتأفف من تعطيل العقل:(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)، (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عُمُرا من قبله، أفلا تعقلون). وتارة يمدح أهل العقل ويخصهم بالخطاب:(وما يذّكر إلا أولو الألباب)، (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون)، (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)؛ ثم تارة يسلك سبيل الذم البالغ لمن يهملون عقولهم ويعطلونها:(إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) وفي هذا ما فيه من توكيد ناحية العقل وتنبيه الإنسان إلى أن من أخص خصائصه التفكير والتدبر والفهم والتعقل، فلا ينبغي له التنزل عن أخص خصائصه بتعطيل عقله وإلا فقد تنزل عن إنسانيته وصار في الأنعام أو شرا من الأنعام
ولقد بلغ من إكبار الإسلام العقل وتوكيده واتخاذه أصلاً ومرجعاً أن أباح للمسلم إذا تعارض العقل والنص أن يؤول النص إلى ما يقضي به العقل. والعقل هنا طبعاً ليس هو عقل الفرد، ولكن عقل المجموع؛ ليس هو العقل الخاص الذي يجوز عليه الخطأ، وكثيراً ما يخطئ، ولكن هو العقل العام الذي يستحيل عليه الخطأ، والذي لا يقتنع بشيء إنه الحق إلا