للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر تنسى شاعرها حافظ إبراهيم]

للأستاذ كرم ملحم كرم

تألم صاح (الرسالة) المصرية لحظ الأدباء المنكود. وأوجعه أن يسير حافظ إبراهيم إلى مثواه الأخير بين حفنة من رجال الفضل والأدب، وألا يمشي وراء نعش أحمد زكي باشا رجل العلم والهدى غير نفر معدود، على حين أن السياسيين إذا ماتوا اندفعت وراءهم الأمة بأسرها على في شبه مظاهرة، وأبدت عليهم من الأسف واللوعة مالا تفكر أن تبديه حيال أي أديب.

ومما زاد في إيلام صاحب (الرسالة) أن القوم في مصر تناسوا أدب حافظ إبراهيم، وبات الرجل لديهم أشبه بأبي نواس في مجونه، فهم إذا ذكروه تحدثوا عن نوادره لاعن أدبه، كأنما شاعر البائسين أضحى من الهازلين، كأنما أضحى جحا في مداعباته مع أن حافظاً خالد في شعره ونثره، فقد أبقى من المنظوم والمنثور ما يحق للغة العربية، وخصوصاً لمصر، أن تفاخر به. فان حافظاً شاعر الوطنية وشاعر الأدب البائس. وقد أحيا في قصائده كما أحيا شوقي والمطران، عهداً للأدب مشرقاً في مصر، فأعادوا على ضفاف النيل عهد الفرزدق والأخطل وجرير على ضفاف بردي.

ومصر مدينة لحافظ بشيء من هذه النهضة الوطنية البادية فيها. أما هز النفوس بقصائده في ضرورة إنقاذ مصر من الطغيان الأجنبي؟ أما أظهر استبداد المحتلين وجورهم وسعيهم لي إذلال مصر؟. . .

لقد ترددت قصائد حافظ تحت سماء وادي النيل كأنها أنفاس بوق يدعو المصريين إلى الجهاد والاستشهاد، ومع كل هذه الغيرة الملتهبة على مصر من حافظ، لم يجد حافظ من المصريين أي وفاء، فما اعترفوا له بمكرمة ولا بمأثرة في غير بطون الكتب والصحف والمجلات. أما عامتهم، ولاننسى خاصتهم، فما فكروا في أن يقيموا لشاعرهم ضريحاً. ولقد ضل الوفد اللبناني طريقه إلى هذا الضريح وهو يحمل إليه إكليلاً مضفوراً من فلذة أكباد اللبنانيين الذين يجاهدون في سبيل أدبهم، الأدب العربي، ويقدرونه قدره، والذين لا ينسون لحافظ أقواله فيهم وحبه لهم وإعجابه بهم مع أن من واجب مصر ألا تجحد فضل شاعرها عليها، من واجبها أن تقيم له ضريحاً يليق به، من واجبها أن تذكره كشاعر قبل أن تذكره

<<  <  ج:
ص:  >  >>