وكنا نعتقد أن صداقة حافظ لمحمد محمود باشا ستدفع به إلى تخليد ذكرى الشاعر بإنشاء ضريح فحم يضم رفات فقيد الأدب. ومما حملنا على هذا الاعتقاد ما يتمتع به محمد محمود باشا من ثروة، ولقد أخلص حافظ إبراهيم للرجل، ولقي من عنت حكومة إسماعيل صدقي باشا ما لقي لأجل إخلاصه لمحمد باشا محمود وصداقته له، أيكون هذا جزاءه منه؟. . .
أيضن الرجل المصري العظيم الثروة بقليل من المال في سبيل تشييد ضريح يرد فيه جثمان حافظ بأمان؟. . .
من حق صاحب (الرسالة) أن يتألم، وإننا لنشاطره ألمه ونأسف على مصير الأدب والأدباء في البلاد العربية. فالأديب لا يجد من ينصفه، لا في حياته ولا في مماته. فان قيمته لدى الناس لا تزيد على ما يملك في جيبه من المال. فإذا كان ذا ثروة وجد من يحفل به ويشيعه إلى مرقده الأخير. أما إذا خانته الثروة فلا صديقه يتأثر لفقده ولا بنو قومه. فالمال هو كل شيء في هذه الحياة.
ولو لم يمت شوقي عن ثروة ضخمة لكان نصيبه من بني قومه نصيب حافظ، وربما كان دون نصيب حافظ. وربما كان دون نصيب حافظ. إلا أن ثروة شوقي شفعت له في حياته ومماته، فساعدته على التربع في عرش أمارة الشعر، وحلمت الناس على الإطناب فيه، وهي هي التي دفعت الحكومة المصرية إلى إقامة ذلك المهرجان العظيم لرثاء شوقي والاحتفال بذكراه.
نعم، هي المآرب السياسية وصلات القربى التي مالت بإسماعيل صدقي باشا إلى إقامة ذلك المهرجان نكاية في الوفديين والأحرار الدستوريين الذين أخلص لهم حافظ، وتودد إليهم في أيامه الأخيرة إلا أن الوفديين والأحرار الدستوريين هم الفئة الكبرى في مصر فكيف تناسوا حافظاً ولم يحتفلوا بتخليد ذكراه، ولو لأجل النكاية كما اختلفت حكومة إسماعيل صدقي بتخليد ذكرى شوقي؟.
إن حافظاً ليس في حاجة إلى ضريح خاص يقام له ليخلد، ولا بحاجة إلى مهرجان أدبي تقال فيه قصائد الرثاء ليمس الرجل ذا قدر في عالم الأدب، فان آثاره تكفي لتخليده، وتلك المظاهر الزائلة ليست ذات شأن في مقام حافظ الأدبي، بل هي عديمة الشأن، إلا أن