كاد الخديو للأجانب كيداً شديداً؛ وظهر كمن يريد أن يثأر لنفسه فلم يكتف بإجابة الوطنيين إلى ما طلبوا، بل لقد ذهب إلى مشاركتهم مظاهر ابتهاجهم بالعهد الجديد حتى لقد حضر بنفسه حفلاً أقامه في داره السيد علي البكري ودعا إليه كبار رجال الحركة الوطنية فكان موقف الخديو في ذلك موقف الزعيم!
وتلقى الأجانب الضربة ولكنهم لم يطيشوا أو يذهلوا عما يجب عليهم أن يعملوا إزاء موقف الخديو، ومن أجل ذلك لقيت وزارة شريف منهم عنتاً بالغاً، فتلاشت في ضوضائهم كل دعوة إلى الحكمة، وضرب الحقد على آذانهم وجعل الغضب على أبصارهم غشاوة
ولكن شريف ظهر يومئذ بمظهر جدير بالإعجاب حقاً، فلا هو خشي جانب الأجانب فتخاذل عما هو بسبيله، ولا هو مال كل الميل فانقلبت سياسته شططاً، وبذلك جمع شريف على خير ما يرجى بين حمية الوطني الثائر وكياسة السياسي الماهر وروية المجرب البصير
احتج الأجانب على إبعاد الوزيرين الأوربيين واستقال كثير منهم من مناصبهم، وراحت إنجلترا وفرنسا تتهددان الخديو وحكومته وتنددان بهما؛ وتوجه الدائنون إلى المحاكم المختلطة فرفعوا أمامها القضايا؛ وأعلنت لجنة التحقيق أن الحكومة في حالة إفلاس منذ أكثر من عامين؛ ولما عرض شريف على هؤلاء الأجانب الصاخبين استعداده إلى إعادة المراقبة الثنائية كما كانت تقضي به تعهدات الخديو في حالة ما إذا أخرج الوزيران الأجنبيان أو أحدهما رفضوا ذلك الحل مبالغة منهم في الكيد ورغبة في زيادة الأمور حرجاً وتعقداً. . .
ولكن شريفاً لم يلوه حرج الموقف عن وجهته؛ وما كانت وجهته إلا أن يجعل مرد الأمور إلى الأمة، فلئن كان يمقت تدخل الأجانب، لقد كان كذلك يكره استبداد الخديو أشد الكراهية.