لذلك جعل محور سياسته أن يكون مجلس الوزراء مسؤولاً أمام مجلس شورى النواب، ولقد تم له ما أراد فجاء في خطاب الخديو إليه بتأليف الوزارة عبارات لا تقبل تأويلاً فيها يذكر الخديو أنه يرجع بالأمور إلى الأمة ويوافق على مسؤولية الوزارة أمام مجلسها
بهذا كان شريف أبا الدستور في مصر، فإن ذلك المجلس الذي تعهده برعايته منذ نشأته عام ١٨٦٦م قد تمت له السلطة على يديه عام ١٨٧٩م فصار الحكم في مصر حكما دستورياً لا تشوبه شائبة مهما يقول القائلون في طريقة الانتخاب يومئذ وجهل سواد الناس بأصول الحكم. . .
أجل، إن العهد الدستوري في مصر إنما يرجع إلى عام ١٨٧٩م وهذا العهد إنما نالته مصر بجهاد بنيها وعلى رأسهم شريف وما كان دستور عام ١٩٢٣م إلا الدستور الثاني للبلاد، أو بعبارة أخرى ما كان إلا توقداً لتلك الجمرة التي ظلت مطمورة تحت رماد الاحتلال حتى حل سعد محل شريف في الحركة القومية فأزاح ذلك الرماد ونفخ في تلك الجمرة فأوقد نارها!
لم تكد البلاد وا أسفاه تفرغ من مظاهر فرحها حتى جاءت الأنباء بعزل عاهلها، فإن الدولتين ما فتئتا تسعيان لدى الباب العالي حتى تم لهما عزله وإسناد الحكم إلى ابنه توفيق باشا؛ وبخروج إسماعيل من مصر فقد شريف وفقدت البلاد الرجل الذي كان يمكن الاعتماد عليه في مناهضة نفوذ الأجانب. . .
رفع شريف استقالته إلى الخديو الجديد كما تقضي التقاليد الدستورية، فطلب إليه الخديو إعادة تأليفها، وأشار توفيق صراحة في أمره وفي خطابه أمام مجلس الشورى ميله إلى العطف على الأماني القومية كما تظهر في الحركة الدستورية الوطنية. وسار شريف على نهجه الدستوري يدعم ما بنت يداه ويجهد في توطيد أسسه. . .
ولكن توفيقاً ما لبث حين جاءه فرمان التولية أن تنكر للحركة الوطنية فما كان في موقفه الأول إلا مخادعاً يكتسب الوقت فلما اطمأن إلى مركزه من جهة الباب العالي بدأ سياسته الجديدة بأن رفض أن يجيب رئيس وزرائه إلى ما طلب بشأن توسيع سلطة مجلس الشورى ووضع نظام الحكم على أساس دستوري ثابت؛ وفي هذا رأى شريف نية إقصائه عن الحكم فاستقال، وجاءت استقالته هذه المرة أيضاً عاملاً قوياً من عوامل إذكاء الروح