للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

(أذني زلزلت طربا)

في العدد الماضي من (الرسالة) بدا للصديق الصالح الخاشع محمود محمد شاكر أن ينظر في قصيدة (الناي) التي كنت نشرتها في العدد ألـ ٣٤١. وجاء نظر الصديق على شطرين: الأول في علم العروض، والثاني في فن اللغة عامة والمجاز خاصة

فأما قول الصديق إن بحر (المنطلق) الذي وضعتُه إنما هو مجزوء (المتدارك) أو من نحو ذلك فوهم قد سبقه إليه كاتب آخر. وفي هذا المكان من العدد الماضي وقف القارئ على ما يبدِّد ذاك الوهم. ومن الغريب أن كاتباً بمكانة الأستاذ محمود محمد شاكر يخلط (وضع) الشيء بـ (اختراعه). إني لم أخترع البحر يا محمود، بل وضعته. وما أنا بباخل عليك بهذا التبصير ,

وأما الشطر الثاني فمحصور في قول الأستاذ: (ولكن ما بال هذا الصديق (يعنيني) يريد أن يزلزل أُذنه، ونحن لم نفرغ بعد من حديث الزلازل التي هدمت ما هدمت في الأناضول. لماذا أيها الصديق؟ ولماذا تريد أن نشعر أن أذنك وحدها - دون سائرك - هي التي تطرب، ولا يكون طربها إلا زلزلة) أهـ.

ألا إن من مساوئ الإكباب على قراءة الصحف اليومية أن يغلب على الألفاظ المتواترة معنىً يقف الخلق عنده فينسوا مُفاده الأول ويُغفلوا ألوان استعماله في الأدب الموروث بجلاله وثروته. فإن الصديق محموداً قنع بزلزال الأرض، والأناضول من الأرض. كيف فاته أن زلزال الأرض معنى طارئ على زل زل؟ ففي (لسان العرب) ج٥ ص٣٢٧: (وفي الحديث: أهزم الأحزاب وزلزلهم - الزلزلة في الأصل: الحركة العظيمة والإزعاج الشديد، ومنه زلزلة الأرض، وهو هاهنا كناية عن التخويف والتحذير، أي: أجعل أمرهم مضطرباً متقلقلاً غير ثابت). هذا، وفي القرآن نفسه - وهو الحجة العليا في مثل هذه المشكلات - تصيب إلى جانب (زلزال الأرض) و (زلزلة الساعة) (سورة الزلزال، والحج) آيتين إليك حروفهما: (١) (وزلزلوا حتى يقول الرسول) البقرة، (أي (أزعجوا إزعاجاً شديداً مما أصابهم من الشدائد): عن البيضاوي) - (٢) (هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) الأحزاب (أي (من شدة الفزع). وعلى هذا، فإنك ترى أن الزلزلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>