طفل خجول نفور من الناس، لكنه رقيق المشاعر شديد الحس جياش العاطفة. ثم جندي يحارب في سبيل الوطن. مستهتر متهتك مبالغ في الاستهتار. وهو ملحد مغرق في الإلحاد ساخر بالدنيا. ثم هو كهل شديد الإيمان قوي الثقة في الحياة.
وأخيراً تتمخض حياة الروائي الكبير عن شيخ يعتزل ثروته ويترك المدنية بكل زينتها وخداعها ونفاقها ليعمل جنباً إلى جنب مع فلاحيه، وليفيض قلبه حنانا على الإنسانية المعذبة. وليصبح شخصية خالدة على ممر الدهور.
هكذا كان تولستوي وهكذا كانت حياته.
ثم فلسفة قوية مليئة بالحياة هي فلسفة الإيمان والعاطفة، وعاطفة قوية صريحة يدعمها العقل، ويحركها التأمل، ويفيض عليها الإلهام نورا عميقا.
هكذا كانت فلسفة تولستوي.
فلن تجد في فلسفته هذه المشكلات المنطقية، وهذا اللف والدوران وهذا التكلف والتعمل اللذان تجدهما في كثير من الفلسفات. بل لم يحاول تولستوي مرة أن يضع كتابا في الفلسفة أو يجمع آراءه في صوره مرتبة منمقة.
ففلسفته في شتات رواياته التي تتجاوز العشرين. وهي في شتات أشخاص هذه الروايات التي تعبر كل واحدة منها عن ناحية من نواحي المؤلف نفسه: عن شكه أو سخريته، عن إيمانه أو إلحاده.
ولذلك ففلسفته محببة إلى النفس. يقدمها في لون من أشهى الألوان إلى القلب: في صورة قصة أو في صورة ذكريات.
وهو لم يكن يكتب ليرتزق من وراء كتبه كمعظم الروائيين. ولم يكن يكتب ليضحك من الناس أو يسخر منهم كما فعل أناطول فرانس. بل كان يكتب معبراً عن عاطفة قوية أحست